قلت: و لعله أخطأَ في هذا الحديث أيضاً، فقد رواه عليُّ بنُ معبد - كما في ((الروح)) لابن القيم ص: 56 - قال: حدثنا عبيد الله عن زيد بن أبي أنيسة عن جابر عن نافع قال أتينا صفية بنت أبي عبيد امراة عبد الله عمر وهي فزعة فقلنا:ما شأنك؟ فقالت: جئتُ مِنْ عند بعضِ نساء ? قالت فحدثتني أنَّ رسول الله قال ((إن كنت لأرى لو أن أحد أعفي من عذاب القبر لأعفي منه سعد بن معاذ لقد ضم فيه ضمة)).
فوصله بذكر الواسطة بين صفية و النبي ?،وقد تقدم أنها عائشة رضي الله عنها.
قلت: و لولا أن جابرا الذي في إسناده هو: ابن يزيد الجعفي الرافضيُّ الضَّعيف، لكانت متابعة قوية لسعد؛ غير أنني أخاف أن يكون دلّس فيه، و لم يسمعه من نافع، و هذا الأليقُ به، كما فعل فيمن حدّثت صفية، فلم يصرّح باسمها لرفضه و غلوّه في التشيع.
الثالث: فقد أخرج الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (رقم:4627)، قال:حدثنا عبيدالله بن محمد بن عبدالرحيم البرقي، قال: حدثنا عمرو بن خالد الحرانى قال: حدثنا ابن لهيعة عن عقيل أنه سمع سعد بن إبراهيم يخبر عن عائشة بنت سعد أنها حدثته عن عائشة أم المؤمنين قالت: دخلت على يهودية فحدثتني وقالت في بعض قولها: أي والذي يقيك فتنة القبر، قالت: فانتهرتها، وقلت:ما هو بأول كذبكم على الله ورسوله ولو كان للقبر عذابا لأخبر الله نبيه ?؟ فقالت اليهودية ((إنا لنزعم أن له عذابا قالت عائشة: فلما دخل علي نبي الله ? أخبرته بقولها فلم يرجع إليَّ شيئا، فلما كان بعد ذلك قال: يا عائشة، تعوذي بالله من عذاب القبر، فإنه لو نجا منه أحدٌ نجا منه سعد بن معاذ، و لكنه لم يزد على ضمَّة)).
قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عائشة بنت سعد إلا سعد بن إبراهيم، و لا
رواه عن سعد إلا عقيل، و تفرد به ابنُ لهيعة.
قلت: عبيد الله: صدوق، و شيخه: ثقة، و الحديث أخطأ فيه ابن لهيعة سندا و
متنا، فقد كان يلقن في آخر عمره ما ليس من حديثه، و قد جمع في الحديث متنين لحديثين بإسنادين مختلفين!
و لعله مما دلَّسه، فقد كان مدلسا، و لم يصرح بالسماع و التحديث.
كما أنَّ السند هكذا: عقيل عن سعد عن عائشة: لا يجيء.
الرابع: فقد أخرج أبو نعيم في ((الحلية)) (3/ 173 174)، قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن الريان، حدثنا إسحاق بن الحسين الحربي حدثنا أبو حذيفة، حدثنا سفيان الثوري عن سعد بن إبراهيم عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله ? ((لو أن أحدا نجا من عذاب القبر لنجا منه سعد بن معاذ وقال
بأصابعه الثلاثة فجمعها كأنه يقللها ثم قال ضغط ثم عوفي)).
قلت: و هذا الحديث بهذا الإسناد: خطأٌ من أبي حذيفة، فقد كان كثير الوهم و التصحيف عن الثوريِّ.
و قد أشار إلى إعلاله برواية شعبة: أبو نعيم، فقال عقب إخراجه: ((كذا رواه أبو حذيفة عن الثوريِّ عن سعدٍ، و رواه غُندر و غيرُه عن شعبةَ عن سعدٍ عن نافعٍ عن إسنان (الأصل: سنان) عن عائشة رضي الله تعالى عنها))، و انظر التنبيه الخامس.
الخامس: فقد أخرجه أيضا الخطيب في ((المتفق و المفترق)) (3/ رقم: 1793)، قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن بن علي الخلال، قال: حدثنا عبد الله بن عثمان الصفار، حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد الزعفراني، [حدثنا] محمد بن ماهان، حدثنا يزيد بن أبي زياد، أبو الحسن، حدثنا شعبة، عن سعد (الأصل: سعيد)، قال: حدثنا نافع، عن عبد الله بن عمر عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله ? يقول: " إن للقبر ضغطة لو نجا منها أحد لنجا منها سعد بن معاذ)).
قلت: و إسناده إلى محمد بن ماهان: صحيح، و محمد بن ماهان، هو السمسار: ثقةٌ، وثقه ابنُ حبَّان (الثقات 9/ 149) و الدَّارقطنيُّ و البرقانيُّ (تاريخ بغداد 3/ 293)، و جهَّله أبو حاتم (الجرح 8/ 105) - فلم يصب - و تبعه ابن الجوزي (الضعفاء 3/ 95) و الذهبي.
و ليس هو القصباني - كما يظهر من صنيع الذهبي و ابن حجر (لسان الميزان 5/ 357)، فقد فرق بينهما ابن أبي حاتم في " الجرح)).
¥