تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام و مصر، ولغة أهلها رومية، وأرض العراق و خراسان ولغة أهلهما فارسية. وأهل المغرب، ولغة أهلها بربرية عوَّدوا أهل هذه البلاد العربية، حتى غلبت على أهل هذه الأمصار: مسلمهم وكافرهم. وهكذا كانت خراسان قديماً» [34].

ثم إنهم تساهلوا في أمر اللغة، واعتادوا الخطاب بالفارسية، حتى غلبت عليهم، وصارت العربية مهجورة عند كثير منهم، ولا ريب أن هذا مكروه. إنما الطريق الحسن اعتياد الخطاب بالعربية، حتى يتلقنها الصغار في المكاتب وفي الدور، فيظهر شعار الإسلام وأهله، ويكون ذلك أسهل على أهل الإسلام في فقه معاني الكتاب والسنة وكلام السلف، بخلاف من اعتاد لغة ثم أراد أن ينتقل إلى أخرى فإنه يصعب.

الثاني: ما لم تدْعُ إليه الحاجة. وهو نوعان:

1 - ما كان الباعث له محبتها والإعجاب بها؛ فهذا لا ينبغي فعله سواء كان قليلاً أم كثيراً ويُخشى على صاحبه أن يقع في النفاق العملي كما لا يخفى وهو من ألوان محاكاتهم والتشبه بهم، وهذا يكثر وقوعه عادة بين من ابتُلوا بالهزيمة النفسية لا سيما في أوقات ضعف الأمة وتراجعها؛ فالأمم القوية تسعى لفرض ثقافتها على الأمم الضعيفة المغلوبة، وإنما يعبر ذلك كله على جسد اللغة.

ولغات الأمصار تكون عادة بلسان الأمة الغالبة عليها، ولما كان المسلمون غالبين على غيرهم من الأمم صارت اللغة العربية هي لغة التخاطب في كثير من البلاد التي هي في أصلها أعجمية [35].

قال ابن حزم رحمه الله: «فإن اللغة يسقط أكثرها ويبطل بسقوط دولة أهلها ودخول غيرهم عليهم في مساكنهم أو بنقلهم عن ديارهم واختلاطهم بغيرهم، فإنما يقيد لغة الأمة وعلومها وأخبارها قوة دولتها ونشاط أهلها وفراغهم، وأما من تَلِفَتْ دولتهم وغلب عليهم عدوهم واشتغلوا بالخوف والحاجة والذل وخدمة أعدائهم فمضمونٌ منهم موت الخواطر، وربما كان ذلك سبباً لذهاب لغتهم، ونسيان أنسابهم وأخبارهم، وبُيود علومهم، هذا موجود بالمشاهدة ومعلوم بالعقل ضرورة» [36].

2 - ما لم يكن الباعث له الإعجاب بها ومحبتها. وله صورتان:

الأولى: أن يعتاد ذلك ويكثر منه. وهذا لا ينبغي أيضاً؛ لأن «اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون» [37].

وقد أخرج ابن أبي شيبة عن عمر رضي الله عنه قال: «ما تعلَّم الرجل الفارسية إلا خَبُثَ [38]، ولا خبث [39] إلا نقصت مروءته» [40].

وأخرج عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه سمع قوماً يتكلمون بالفارسية، فقال: «ما بال المجوسية بعد الحنيفية؟» [41].

وأخرج عن عطاء قال: «لا تَعَلَّموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا عليهم

كنائسهم؛ فإن السخط ينزل عليهم» [42].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه: «وأما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمِصْرِ وأهله، أو لأهل الدار، أو للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق، أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه؛ فإنه من التشبه بالأعاجم، وهو مكروه كما تقدم» [43].

الثانية: أن يقع ذلك نادراً؛ فهذا أسهل من الأول لكن ينبغي أن يُجتنب.

والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.


(1) الاقتضاء، 1/ 470.

(2) ما بين الأقواس «» من كلام شيخ الإسلام في الاقتضاء، 1/ 470 471.

(3) أي لا يعرف معناها.

(4) أسماء لبعض الشهور في الفارسية.

(5) أسماء لبعض الشهور في الفارسية.

(6) نقلته بواسطة الاقتضاء، 1/ 461 462.

(7) انظر: الاقتضاء، 1/ 462.

(8) السابق، 1/ 462، وانظر نحوه، ص 464.

(9) السابق، 1/ 462، وانظر نحوه، ص 464.

(10) أخرج الطبراني في الكبير، 6/ 218، أن سلمان رضي الله عنه أصاب جارية فقال لها بالفارسية: صلِّي قالت: لا، قال: اسجدي واحدة إلخ.

(11) البخاري مع الفتح، 6/ 183، والرِّطانة بكسر الراء ويجوز فتحها هو كلام غير العربي انظر: الفتح، 6/ 184.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير