تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومع هذا فقد اعتاد بعض المسلمين –وللأسف- أن ينسبوا للطبيعة الكثير مما يخرج عن نسقها، فإذا مات الإنسان بغير علة، قالوا وفاة طبيعية! وإذا كسفت الشمس أو خسف القمر، قالوا خسوف طبيعي! وإذا أتى الله بعقابه فأرسل حاصباً، أو أغرق أمة، أو فجر الأرض عليهم ناراً، أو دم دم على قوم بذنبهم فسواها، قالوا كارثة طبيعية!

وهذا نوع من التأثر بمن غفلوا عن آيات الله، حري بالمسلم أن يبتعد عنه، ولا يفهم من هذا إنكار أسباب هذه الظواهر، ولكن الإنكار على من أغرق في النظر للأسباب ونسي مسببها ومجريها في الوقت الذي يشاء على غير طبيعتها.

فالمؤمنون العقلاء يعتبرون بالآيات السمعية، ودونهم مرتبة؛ من لايعتبر إلاّ بالآيات العينية، وهؤلاء قد تكون الآيات العينية لهم نعماً يكفر الله بها عن أناس، وتدكر بها أمم فترجع إلى ربها، وقد قيل:

قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

كما أنها قد تكون سخطاً وعقاباً لمن أمن مكر الله وعذابه، فأعرض عن الآيات السمعية والعينية، والسعيد من وعظ بغيره، فبَادر بالتوبة والإنابة، ومسكين مسكين مسكين، من ظن أن الأمر بالتوبة لايشمله، أو حسب أنه مستثنى من جملة من قال الله لهم (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)، إن أول من يطالب بالمبادرة من يرى أنه قائم بأمر الله محقق للتقوى والصلاح.

ثانياً التذكير بسنة من سنن الله:

من سنن الله الماضية أن الناس إذا كثر فيهم الخبث، وسكت عنه الصالحون، أصابهم الله ببعض ذنوبهم، (وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ~ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًَا بَصِيرًا)، وفي الصحيحين من حديث زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها قالت: (يا رسول الله أنهلِك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث).

إن عقاب الله تعالى إذا هو أتى يعم فينال المسيء والمحسن، قال الله تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) قال ابن قتيبة: "يريد أنها تعم فتصيب الظالم وغيره، وقال عزوجل: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا)، وقد تبين أن الله تعلى أغرق أمة نوح عليه السلام كلها وفيهم الأطفال والبهائم بذنوب البالغين، وأهلك قوم عاد بالريح العقيم، وثمود بالصاعقة، وقوم لوط بالحجارة، ومسخ أصحاب السبت قردة وخنازير، وعذب بعذابهم الأطفال .. قال أنس بن مالك: إن الضب في جحره ليموت هزلاً بذنب ابن آدم، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على مضر فقال: (اللهم اشدد وطأتك على مضر، وابعث عليهم سنين كسني يوسف) فتتابعت عليهم الجدوبة والقحط سبع سنين، حتى أكلوا القد والعظام .. فنال ذلك الجدب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .. " ثم قال أبو محمد: "وقد رأينا بعيوننا ما أغنى عن الأخبار، فكم من بلد فيه الصالحون والأبرار، والأطفال والصغار، أصابته الرجفة، فهلك به البر والفاجر، والمسيء والمحسن، والطفل والكبير ... " وعد مدناً أصابتها الرجفة في زمانه يرحمه الله.

ثم ذكر خبر عبيدالله بن مروان مع ملك النوبة عندما فر هارباً قال: قدمت أرض النوبة بأثاث سلم لي، فافترشته بها وأقمت ثلاثاً، فأتاني ملك النوبة وقد خبر أمرنا، فدخل علي رجل طوال أقنى حسن الوجه، فقعد على الأرض ولم يقرب الثياب فقلت: ما يمنعك أن تقعد على ثيابنا فقال: إني ملك وحق على كل ملك أن يتواضع لعظمة الله جل وعز إذ رفعه الله، ثم أقبل علي فقال لي: لم تشربون الخمر وهي محرمة عليكم في كتابكم؟ فقلت: أجترأ على ذلك عبيدنا وسفهاؤنا.

قال: فلم تطؤون الزروع بدوابكم، والفساد محرم عليكم في كتابكم؟

قلت: يفعل ذلك جهالنا.

قال: فلم تلبسون الديباج والحرير وتستعملون الذهب والفضة وهو محرم عليكم؟

فقلت: زال عنا الملك وقل أنصارنا فانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك على الكره منا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير