تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأطرق ملياً وجعل يقلب يده وينكت في الأرض ثم قال: ليس ذلك كما ذكرت، بل أنتم قوم استحللتم ما حرم عليكم، وركبتم ما عنه نهيتم، وظلمتم فيما ملكتم، فسلبكم الله تعالى العز وألبسكم الذل بذنوبكم، ولله تعالى فيكم نقمة لم تبلغ نهايتها، وأخاف أن يحل بكم العذاب وانتم ببلدي فيصيبني معكم وإنما الضيافة ثلاث فتزودوا ما احتجتم إليه وارتحلوا عن بلدي.

قال: ففعلت ذلك". فهذا الرجل العاقل لاحظ هذه السنة فأمر هؤلاء بالرحيل.

ولا أجد تعليقاً على هذا أجدر من قول الله تعالى: (فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ~ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)، فسبيل النجاة هو الإصلاح وليس الصلاح فقط، وقد علم هذا عقلاء البشر.

ثالثاً: الهرج أعظم خطراً من سائر الكوارث البشرية:

في الصحيحين عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج وهو القتل القتل". وخطر الأخيرة هو الأكبر. ولسائل أن يقول كيف؟

منذ نحو عشر سنين، وتحديداً منذ الانقلاب على شرع الله، وتنحية البرلمان الإسلامي الذي اختاره رجال العشائر، وإخوة الإسلام في أرض الجزائر، والأرزاء في تلك البقعة تترى، أصيبت البلاد بعدد من الكوارث، ومع ذلك لم يتجاوز عدد القتلى في هذه النكبات بما فيها الزلازل الثلاثة الأخيرة ثلاثة آلاف.

على الرغم من شدة الزلازل، وقلة التحصينات، والشكوى من سوء التدبيرات، كان عدد القتلى يقل عن الثلاثة آلاف، ولا أقلل من العدد بل هو عدد ضخم إذا ما قورن بما تحصده الزلازل في بعض الدول التي تأخذ بالأسباب المادية والطرق الوقائية والتحصينية، كسائر دول أوروبا واليابان.

ولكن ما يجب أن ننتبه إليه هو أن هذا العدد لا يمثل شيئاً إذا ما قورن بحصاد الهرج المر، ففي غضون عشر سنوات قتل من أهل الجزائر بسبب الفتنة التي ماجت، ووفقاً للمصادر الحكومية، مئة ألف إنسان، ويصل التعداد وفقاً لمصادر أخرى إلى ما يربوا على المائة والخمسين ألفاً، أي أن أثر الهرج فاق أثر الزلازل بأكثر من خمسين ضعفاً!

إن مفسدة الهرج عظيمة، يجب أن يقدر قدرها قبل الإقدام على أي عمل قد يقود إليها، فإن عواقبها وخيمة، قال البخاري: وقال ابن عيينة عن خلف بن حوشب كانوا يستحبون أن يتمثلوا بهذه الأبيات عند الفتن، قال امرؤ القيس:

الحرب أول ما تكون فتية تسعى بزينتها لكل جهول

حتى إذا اشتعلت وشب ضرامها ولّت عجوزاً غير ذات حليل

شمطاء ينكر لونها وتغيرت مكروهة للشّم و التقبيل

وإذا دخل الناس في الفتن وتلوثت الأيدي بالدماء، شق بعدها الخروج منها، وفي صحيح البخاري، عن ابن عمر أنه قال: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله)، وفيه أيضاً عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراماً)، قال بن حجر: "وقد ثبت عن بن عمر أنه قال لمن قتل عامداً بغير حق: (تزود من الماء البارد، فإنك لا تدخل الجنة)، وأخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمر: (زوال الدنيا كلها أهون على الله من قتل رجل مسلم)، قال الترمذي: حديث حسن، قلت: وأخرجه النسائي بلفظ: (لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا)، قال ابن العربي: ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق، والوعيد في ذلك، فكيف بقتل الآدمي؟ فكيف بالمسلم؟ فكيف بالتقي الصالح؟ " (1).

إخوة الإسلام إن هذه الزلازل دعوة لإعادة الأمور إلى نصابها، بتحكيم شرع الله، وإلقاء السلاح، فإن المفسدة عظيمة، وقد جاء في الحديث: (يا معشر المهاجرين: خمس إذا ابتليتم بهن، و أعوذ بالله أن تدركوهن) قال في الخامسة: (و ما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، و يتخيروا ما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم). (2).

جعلنا الله وإياكم من المعتبرين بآيات الله المنقادين لأمره.

وفي الختام لاشك أن من الواجبات التي تمليها إخوة الإسلام، الوقوف مع إخواننا في هذه النوازل حساً ومعناً، دعاءً وبذلاً، أسأل الله أن يلطف بالمسلمين عامة وبأهل الجزائر خاصة، وأن يمن علينا وعليهم بالأمن والإيمان، والسلامة والإسلام، اللهم استر عوراتنا، وآمن رواعتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا.

وصلى الله وسلم على نبينا وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.


الهوامش:-
(1) الفتح 12/ 189.
(2) رواه ابن ماجة 2/ 1332، وحسنه الألباني في الصحيحة 1/ 216 رقم (206).

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير