قال الإمام مسلم -رحمه الله-: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وزهير بن حرب قالا حدثنا وكيع ح وحدثنيه زهير بن حرب حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق جميعاً عن فضيل بن غزوان ح وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء واللفظ له حدثنا ابن فضيل عن أبيه عن أبي حازم عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض". ورواه الترمذي -رحمه الله- قال: حدثنا عبد بن حميد حدثنا يعلى بن عبيد عن فضيل بن غزوان عن أبي حازم عن أبي هريرة – رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل الآية، الدجال والدابة وطلوع الشمس من المغرب أو من مغربها" قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح وأبو حازم هو الأشجعي الكوفي واسمه سلمان مولى عزة الأشجعية. حيث نجد الحديث رواه أحمد بنفس إسناد مسلم، ولكن بلفظ آخر: حدثنا وكيع قال حدثنا فضيل بن غزوان الضبي عن أبي حازم عن أبي هريرة – رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:"ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا؛ طلوع الشمس من مغربها والدخان ودابة الأرض" وهذا الحديث الظاهر من خلال السند أنه صحيح الإسناد وهو موافق للأحاديث الصحيحة التي تدل على أن التوبة تقبل بعد خروج الدجال، حيث يخرج المسيح -عليه السلام- بعد خروج الدجال ويقتل الدجال ولا يقبل من أهل الكتاب إلا الإيمان، فدل على أن التوبة تقبل بعد خروج الدجال، وهذا يتعارض مع رواية مسلم والترمذي أن التوبة لا تقبل بعد خروج الدجال.
فما توجيهكم لهذا؟ حفظكم الله ورعاكم.
جواب الشيخ حاتم الشريف:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أقول وبالله التوفيق:
بعد النظر في ألفاظ الحديث، وما جاء عند الإمام أحمد في مسنده من استبدال لفظ (الدخان) بـ (الدجال) ترجح عندي أن لفظ (الدجال) أصح من جهة الرواية؛ لاتفاق مصادر متعددة على ذكره، دون لفظ (الدخان)، وتوجيه هذا الاختلاف أنه ربما كان من قبل راوي المسند عن عبد الله بن الإمام أحمد، وهو القطيعي، فقد ذكرت له أخطاء في روايته للمسند لعل هذا أحدها، خاصة أن احتمال تصحيف (الدجال) إلى (الدخان) احتمال وارد، لتشابه الكلمتين في الخط.
أما الإشكال في المعنى، من جهة أن باب التوبة لا يُغلق بعد خروج الدجال، فحله يظهر من حديث صحيح آخر، وهو حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال:"بادروا بالأعمال ستاً: الدجال، والدخان، ودابة الأرض، وطلوع الشمس من مغربها، وأمر العامة، وخويصة أحدكم" أخرجه مسلم رقم (2947). والمقصود بأمر العامة: قيام الساعة، وأما خويصة أحدنا: فهو الموت، أما المراد بالمبادرة بالأعمال، أي: المسابقة بالأعمال الصالحة، والمسارعة باغتنام الوقت قبل هذه الأمور الستة التي هي دواه ومصائب عظام، تُلهي الإنسان عن العمل الصالح وتشغله، أو لا يوفق إليه من لم يسبق له قدم ثبات على الهدى والحق، فيفتن عن التوبة والعمل الصالح، لا لمانع، ولكن لضعف إيمانه الذي لا يصمد أمام هذه الدواهي، ومن هذه الأمور الستة ما لا تقبل بعدها التوبة، لو حاولها أحد من شاهدها، وهي: طلوع الشمس من مغربها، وقيام الساعة، وغرغرة الموت.
وانظر: المفهم للقرطبي (7/ 308 رقم 2842) وشرح الطيبي على المشكاة (11/ 3448 - 3449 رقم 4565).
وعليه فيكون معنى الحديث المسؤول عنه: أن تلك الأمور الثلاثة، إذا وقعت بهتت الناس وحيرتهم، فلم يقو على التوبة والثبات إلا من حسن عمله وصح توكله على الله تعالى، ولا يعارض ذلك أن من هذه الأمور الثلاثة ما ضم إلى ذلك أنه لا تقبل معه التوبة، كطلوع الشمس من مغربها، ولا يعارض ذلك أيضاً أن من هذه الأمور ما إذا زال وانتهى وجوده، لم تبق حيرته وفتنته بعد زواله، فيمكن الناس بعدها التوبة والعمل الصالح، إذا قدر لهم ألا يموتوا في زمن الفتنة والتحير، كما قد يحصل في فتنة الدجال.
هذا ما ظهر لي، والله أعلم.
والحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى أثره واتقى حده.
ـ[بو الوليد]ــــــــ[18 - 06 - 03, 07:13 م]ـ
ممن رأى أن التوبة ممكنة بعد زوال الدهشة والغرابة والخوف إثر ظهور بعض هذه الآيات الإمام القرطبي كما في المفهم له (7/ 243).
لكن في هذا القول نظر؛؛ فالنصوص صريحة مطلقة في انقطاع التوبة بذلك، والله أعلم.
ـ[المستفيد7]ــــــــ[18 - 06 - 03, 07:47 م]ـ
مما يفيد في البحث:
-قال الاخ الممتع: (وبموجب هذه المقدمة يلزم أن زمن عيسى عليه السلام لا ينفع فيه الإيمان؛ إلا إذا قلنا أن الإيمان لا ينفع فقط حال خروج الشمس من مغربها، وأما بعد ذلك فقد ينفع، ولا أدري هل قال بهذا القول أحد أم؟).
وقد قيل بذلك.قاله البيهقي في الجواب عن حديث مسلم ان اول الايات طلوع الشمس من مغربها.
قال البيهقي:ان كان في علم الله تعالى ان طلوع الشمس سابق احتمل يكون المراد نفي قبول توبة الذين شاهدوا طلوع الشمس من مغربها فاذا انقرضوا وتطاول الزمن وعاد بعضهم الى الكفر عاد تكليف الايمان بالغيب.
قال:وان كان في علم الله تعالى ان طلوع الشمس بعد نزول عيسى احتمل ان يكون المراد بالايات في حديث ابن عمرو ايات اخر غير الدجال ونزول عيسى -يعني وخروج المهدي.
قال العلامة الشيخ مرعي عن الاخير هو المعتمد لما مر من ان باب التوبة يغلق من حين طلوع الشمس من مغربها الى يوم القيامة.اهـ
لوامع النوار للسفاريني 2/ 141.
-قال القاري في مرقاة المفاتيح 9/ 369 (والمراد هذه الثلاثة باسرها ((لا ينفع نفسا ايمانها لم تكن امنت من قبل او كسبت في ايمانها خيرا)
طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الارض) وقدم الطلوع وان كان متاخرا في الوقوع،لان مدار عدم قبول التوبة عليه، وان ضم خروج غيره اليه) اهـ.
¥