ومما يؤكد فساد هذا النوع من القياس ان لو جارينا الدكتور على هذا فقد يقول قائل، التوجه الى القبر بالسجود جائز وليس عبادة له لان التوجه الى الكعبة بالسجود ليس عبادة للكعبة، وكذلك اذا توجه بالسجود الى ولي او رجل صالح اوشيخ فإنه على قياسك الفاسد يجوز وليس عبادة، فما علمت احداً من علماء المسلمين قاله، وهذا من افسد القياس.
الوقفة الخامسة: التدليس في النقل
نقل الدكتور محمد عبدالغفار في الرأي العام عن ابن تيمية قوله: «ومن اعتقد ان الطواف بغيرها - اي الكعبة - مشروع فهو شر ممن يعتقد جواز الصلاة الى غير الكعبة ثم علق الدكتور على كلمة «شر» بقوله ولم يقل - ابن تيمية - انه مشرك او انه يعبد من في القبر».
قلت: اوهم الدكتور القارئ بأن ابن تيمية يهون من هذه المسألة ولذا لم يذكر حكم ابن تيمية فيمن يعتقد جواز الصلاة الى غير الكعبة في نفس سياق الكلام. قال ابن تيمية: «فمن اتخذ الصخرة اليوم قبلة يصلي اليها فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب والا قتل» مجموع الفتاوى 11/.27 فكلمة «شر» عند ابن تيمية في هذا السياق تعني ان من يرى مشروعية الطواف حول القبر اعظم كفراً ممن اتخذ الصخرة اليوم قبلة يصلي اليها.
فلا اعلم هل الدكتور تعمد التدليس او نقل له من غير ان يطلع على كلام بن تيمية كاملاً، واحلاهما مر.
الوقفة السادسة: تهوين الشرك ومظاهره
هون الدكتور من الطواف حول القبور ولم يشنع على من يطوف حولها او يحذر. وهون من تكسير الاصنام وازالتها، بقوله في برنامج «الحياة عبادة» «ان الصحابة لم يكسروا الاصنام» وبهذا خالف ما اوصى به النبي صلى الله عليه وسلم علي بن ابي طالب رضي الله عنه من ان لا يترك تمثالاً الا طمسه .. والعجيب ان الدكتور ذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم انه مر على مدائن صالح ولم يكسر اصنامهم ثم قال: «وما زالت اصنامهم موجودة كاملة الى الآن في المملكة العربية السعودية في بعضها اللي تحت -اي التي اسفل- في هذا العصر قام البعض فكسر رؤوسها».
قلت: سبحان الله .. لا ادري من اين جاء بهذا الكلام وكيف تجرأ بالقول ان هذه الاصنام موجودة من عهد النبي صلى الله عليه وسلم الى زماننا هذا ولم تكسر، والعجيب انه جعل الاصنام التي في مدائن صالح على رفين، اعلى واسفل. الا ان التي في الاسفل قد كسرت رؤوسها، وكأن وجودها بالنسبة له امر لاشيء فيه، وان من قام بتكسيرها في هذا العصر متشدد بدليل انها لم تكسر الا في هذا العصر كما زعم، مع انها ليست موجودة ولقد قمت بالاتصال هاتفيا ببعض الاخوة ممن يسكن بالقرب من مدائن صالح وأنكر وجود اصنام هناك،
والذي يلاحظ من لفظ الدكتور كأن مدائن صالح تزدحم بالأصنام!!
وإني استغرب لماذا تطرق اليها الدكتور، ولماذا يحاول ان يثبت وجود الاصنام بهذا الحماس، بل ان الدكتور يتضجر كأن عنده حساسية من كلمة «الشرك» وذلك يتبين من خلال امور منها:
أ. قال: (يقولون الطواف شرك- اي طواف القبر- واللي مادري شنو شرك) كأنه يستنكر اطلاق لفظ «شرك»
ب. الطريقة التي قال بها: (قام البعض فكسر رؤوسها) قالها بأسلوب (الزعلان)،رغم ان كلمة «الشرك» ليست محدثة، بل ذكرها الله في كتابه ورسوله في سنته تحذيرا منها ومن وسائلها، وهذا يضع علامات استفهام كثيرة حول هذا الطرح، حيث ان غلاة التصوف لا يرون ان في الوجود شركاً، وذلك لاعتقادهم بان كل شيء في الوجود هو الله، وان الله حال في كل شيء، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
الوقفة السابعة: تأثير البيئة على الإنسان
قال الدكتور في برنامج الحياة عبادة: «المجتمع له دور في سلوك الإنسان وشخصية الإنسان حتى سلوك الإنسان وشخصية الإنسان تنعكس على آرائه الفقهية» ثم قال «نجد الإمام الشافعي في الحج كل شيء عنده فيه دم، دم، دم، كفارات بعض المخالفات في النسك لانه قرشي، والقرشي كريم وانعكس في إفتائه».
قلت: وفي ذلك طعن في الإمام الشافعي رحمه الله، حيث ان الامام الشافعي في رأي الدكتور لا يستنبط الاحكام من الكتاب والسنة وانما من بيئته الكريمة، وحاشا الإمام الشافعي ان يفتي بغير علم شرعي، لان الفتوى توقيع عن رب العالمين، قال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون).
وهل نفهم من قول الدكتور ان من يجيز الطواف حول القبور ناتج عن بيئته التي يعيش فيها؟ وهل بيئتك يا دكتور انعكست على آرائك وفتاواك في الطواف حول القبور؟؟؟!
لفتة إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
نأمل من وزارة الاوقاف التي هي على ثغر من ثغور الاسلام، وهي الجهة الرسمية المعنية بالدرجة الاولى بالحفاظ على ثوابت الاسلام واصوله الا تقف مكتوفة الايدي امام هذا المحذور الشرعي الخطير.
وان تولي هذا الجانب اهتماما اكبر ضمن برامجها ومواسمها الثقافية.
تاريخ النشر: الجمعة 21/ 4/2006
¥