وقال الشيخ محمد بن عثيمين –رحمه الله – في الفوائد التي ينبغي تقييدها: " الفوائد التي لا تكاد تطرأ على الذهن، أو التي يندر ذكرها والتعرض لها، أو التي تكون مستجدة تحتاج إلى بيان الحكم فيها، هذه اقتنصها، قيدها بالكتابة لا تقول هذا أمر معلوم عندي، ولا حاجة أن أقيدها، فإنك سرعان ما تنسى، وكم من فائدة تمر بالإنسان فيقول هذه سهلة ما تحتاج إلى قيد، ثم بعد فترة وجيزة يتذكرها ولا يجدها، لذلك احرص على اقتناص الفوائد التي يندر وقوعها أو يتجدد وقوعها وأحسن ما رأيت في مثل هذا كتاب " بدائع الفوائد " للعلامة ابن القيم، فيه بدائع العلوم، ما لا تكاد تجده في كتاب آخر، فهو جامع في كل فن، كلما طرأ على باله مسألة أو سمع فائدة قيد ذلك، ولهذا تجد فيه من علم العقائد، والفقه، والحديث، والتفسير، والنحو، والبلاغة ".
وقال الشيخ بكر أبوزيد في " حلية طالب العلم ": " ابذل الجهد في حفظ العلم (حفظ كتاب)، لأن تقييد العلم بالكتابة أمان من الضياع، وقصر لمسافة البحث عند الاحتياج، لا سيما في مسائل العلم التي تكون في غير مظانها، ومن أجل فوائدها أنه عند كبر السن وضعف القوى يكون لديك مادة تستجر منها مادة تكتب فيها بلا عناء في البحث والتقصي ".
وبعد هذه النقول يمكن تلخيص كلام العلماء حول الفوائد التي يجدر بنا أن نُعنى بتقييدها فيما يلي:
1 - المسائل التي تكون في غير مظانها، فمن يطالع كتاباً مثل كتاب " الحيوان " للجاحظ يلاحظ أنه حوى الكثير من الفوائد في الكلام عن الكتب وفضائلها مما ليس له علاقة بموضوع الكتاب الأساس وهكذا في كثير من كتب الأعلام القدماء.
2 - الفوائد التي يندر وقوعها، أو يتجدد.
3 - الضوابط العلمية والقواعد التي يبنى عليها العديد من المسائل الجزئية.
4 - الطرائف والنوادر والقصص المعبرة.
5 - المسائل المشكلة.
6 - دقائق الاستنباطات.
7 - الفروق الدقيقة والنظائر والأشباه.
8 - الفائدة التي يتفرد بها عالم عن غيره، ولم يسبق إليها، ومثال ذلك: عند قراءة كتب التفسير، أن يذكر ابن كثير تفسير لآية، لا توجد عند غيره من المفسرين.
أما كيف يتم تقييد هذه الفوائد وأين؟
فهناك كلام نفيس لبعض أهل العلم حول هذه المسألة المهمة.
قال عبدالسلام هارون –رحمه الله -: " والباحثون، ولا سيما في أيامنا هذه، يقيدون هذه المعارف في جذاذات، يرجعون إليها عند الحاجة، ولكني سلكت طريقاً أوثق من طريق الجذاذات، هو دفتر الفهرس، وهو الذي سميته " كناشة النوادر "،أقيد فيها رءوس المسائل مرتبة على حروف الهجاء، مقرونة بمراجعها … ".
وقال الشيخ بكر أبوزيد: " اجعل لك كناشاً أو مذكرة لتقييد الفوائد والفرائد والأبحاث المنثورة في غير مظانها، وإن استعملت غلاف الكتاب لتقييد ما فيه من ذلك فحسن، ثم تنقل ما يجتمع لك بعد في مذكرة، مرتباً له على الموضوعات، مقيداً رأس المسألة، واسم الكتاب، ورقم الصفحة والمجلد، ثم اكتب على ما قيدته " نقل "، حتى لا يختلط بما لم ينقل، كما تكتب: " بلغ صفحة كذا " فيما وصلت إليه من قراءة الكتاب حتى لا يفوتك ما لم تبلغه قراءة ".
وقال الشيخ عبدالعزيز بن محمد السدحان: " تقييد الفوائد التي تسمعها: على الكتاب، أو في دفتر خارجي، وهذه الفوائد إذا حرص الإنسان على تقييدها، وعلى مراجعتها مرة بعد مرة، فإنها بإذن الله تعالى تكون عنده ملكة في الكلام، وفي التحضير، وفي إزالة الإشكال، وقل مثل هذا في القراءة.
وقال: " فإذا قرأت كتاباً (سواء على شيخ أو قراءة حرة) فاحرص كل الحرص على أن تقيد ما تسمع أو تقرأ من الفوائد، أو ما يمر عليك من الشوارد والفرائد، فإذا أتممت قراءة الكتب ثم تصفحت تلك الفوائد، ستشعر أنك جمعت كنزاً عظيماً، خاصة إذا جعلتها منظمة بحيث تحكم تبويبها.
فإذا قرأت كتابين أو ثلاثة، ثم علقت على جنباتها ما قرأت من الفوائد، ثم لخصتها ونظمتها وجعلتها في دفتر فيكون لديك كثير من الفوائد المنتوعة: في المعتقد، وفي الأصول، وفي الجرح والتعديل، وفي النحو … وهلم جرا.
¥