كانوا لا يعتبرون الحساب بالشمس (24).
وقال ابن القيم رحمه الله تعليقا على قوله تعالى: " هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ " [يونس: 5]، وقوله تعالى: " وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ " [يس: 38 - 39]: ولذلك كان الحساب القمري أشهر وأعرف عند الأمم وأبعد من الغلط، وأصح للضبط من الحساب الشمسي، ويشترك فيه الناس دون الحساب، ولهذا قال تعالى: " وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ " [يونس: 5] ولم يقل ذلك في الشمس، ولهذا كانت أشهر الحج والصوم والأعياد ومواسم الإسلام إنما هي على حساب الشمس وسيرها حكمة من الله ورحمة وحفظا لدينه لاشتراك الناس في هذا الحساب، وتعذر الغلط والخطأ فيه، فلا يدخل في الدين من الاختلاف والتخليط ما دخل في دين أهل الكتاب (25).
وربما يُفهم من العبارة الأخيرة لابن القيم رحمه الله أن أهل الكتاب كانوا يعتمدون الحساب بالشمس، وهذا قد صرح الحافظ ابن حجر رحمه الله برده بعد أن نسبه لابن القيم (26).
والواقع أنه لم يكن معتبرا في شرعهم وإنما وقع لهم بعد ذلك لدى جهلتهم، ويؤيده ما أخرجه الطبراني عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: " لَيْسَ يَوْم عَاشُورَاء بِالْيَوْمِ الَّذِي يَقُولهُ النَّاس , إِنَّمَا كَانَ يَوْم تُسْتَر فِيهِ الْكَعْبَة , وَكَانَ يَدُور فِي السَّنَة , وَكَانُوا يَأْتُونَ فُلَانًا الْيَهُودِيَّ - يَعْنِي لِيَحْسِبَ لَهُمْ - فَلَمَّا مَاتَ أَتَوْا زَيْدَ اِبْنَ ثَابِتٍ فَسَأَلُوهُ " (27) وقد فسره الحافظ رحمه الله بما نقله من كتاب " الآثار القديمة " للبيروني ما حاصله: أن جهلة اليهود يعتمدون في صيامهم وأعيادهم حساب النجوم، فالسنة عندهم شمسية لا هلالية. قال الحافظ: فَمِنْ ثَمَّ اِحْتَاجُوا إِلَى مَنْ يَعْرِف الْحِسَاب لِيَعْتَمِدُوا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ (28).
السادس: أن الآية المشار إليها تتحدث مع ما قبلها وبعدها عن مسجد الضرار الذي بناه المنافقون، ورَبْطها بالحدث الجديد تلاعب بكتاب الله تعالى، وتحميل له ما لا يحتمل إطلاقا من أي وجه من وجوه الدلالة المعروفة لدى العلماء. وهذا أمر أوضح من أن يشرح.
السابع: زعم كاتب الورقة أن عدد الحروف من بداية السورة إلى الآية (109) = (2001) حرفا.
وهذا إضافة إلى الأوجه السابقة الدالة على عدم الاعتداد به فإنه كذب محض، ذلك أن كل وجهين (صفحتين) من المصحف الكريم تحويان ما يقرب من ألف حرف، وعدد الأوجه من أول السورة إلى الآية المشار إليها يبلغ (17.5) تقريبا، فإذا اعتبرت هذا العدد عرفت البون الشاسع بين ما ذكره الكاتب وبين الحقيقة؛ ولذا رأيت في بعض طبعات تلك الورقة المعدلة أن هذا الرقم (2001) هو عدد الكلمات من أول السورة إلى الآية المشار إليها، وهذا أيضا غير صحيح ذلك أن العدد الحقيقي للكلمات هناك يزيد على (2920) كلمة.
وإذا أحسنَّا الظن بالكاتب قلنا إنه لا يحسن العَدَّ، ذلك أن الكلمة عند أهل العربية على ثلاثة أقسام:
1 – الاسم.
2 – الفعل.
3 – الحرف الذي جاء لمعنى نحو: من، على، إلى، والباء وغيرها من حروف الجر وما في حكمها، وهكذا الضمائر سواء كانت متصلة أو منفصلة فإنها تُعد كلمات أيضا.
الثامن: زعم الكاتب أن المركز المشار إليه يقع على شارع اسمه: " جرف هار ".
وهكذا كذب مُلَفَّق، وقد سألت من يعرفون تلك البلاد فلم يعرفوا هذا الاسم، كما اطلعت على بعض المعلومات والخرائط التي توضح الموقع وما حوله عبر الشبكة العنكبوتية، وليس لهذا الاسم ذكر في شيء من ذلك.
ثم لو فرضنا جدلا أن هذا هو الاسم الحقيقي لشارع فنقول: إن هذا الاسم أعجمي، والقرآن بلسان عربي مبين، ومعلوم أن الألفاظ قوالب المعاني، وإنما تُفَسَّر الألفاظ بحسب ما وُضِعَت له من المعاني في اللغة التي تضاف إليها، فكم من لفظة أعجمية توافق لفظا كلمة عربية وتناقضها في معناها ومدلولها، ولا يقول أحد له أدنى مسكة من عقل بأن هذه الألفاظ المتوافقة في مجرد اللفظ أنها تُحمل على مدلول واحد.
¥