تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما القدرية ـ المقرون بالعلم ـ والروافض ـ الذين ليسوا من الغالية، والجهمية، والخوارج ـ فيذكر عنه في تكفيرهم روايتان، هذا حقيقة قوله المطلق مع أن الغالب عليه التوقف عن تكفير القدرية المقرين بالعلم، والخوارج، مع قوله: ما أعلم قومًا شرًا ن الخوارج.

ثم طائفة من أصحابه يحكون عنه في تكفير أهل البدع مطلقًا روايتين، حتى يجعلوا المرجئة داخلين في ذلك، وليس الأمر كذلك، وعنه في تكفير من لا يكفر روايتان، أصحهما: لا يكفر، وربما جعل بعضهم الخلاف في تكفير من لا يكفر مطلقًا، وهو خطأ محض، والجهمية ـ عند كثير من السلف، مثل عبد الله بن المبارك، ويوسف بن أسباط، وطائفة من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم ـ ليسوا من الثنتين والسبعين فرقة، التى افترقت عليها هذه الأمة، بل أصول هذه عند هؤلاء: هم الخوارج والشيعة والمرجئة والقدرية وهذ المأثور / عن أحمد، وهو المأثور عن عامة أئمة السنة، والحديث أنهم كانوا يقولون: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر، ونحو ذلك.

ثم حكى أبو نصر السجزى عنهم في هذا قولين: أحدهما: أنه كفر ينقل عن الملة. قال: وهو قول الأكثرين، والثانى: أنه كفر لا ينقل؛ ولذلك قال الخطابى: إن هذا قالوه علي سبيل التغليظ، وكذلك تنازع المتأخرون من أصحابنا في تخليد المكفر من هؤلاء، فأطلق أكثرهم عليه التخليد، كما نقل ذلك عن طائفة من متقدمى علماء الحديث، كأبى حاتم، وأبى زُرْعَة وغيرهم، وامتنع بعضهم من القول بالتخليد.

وسبب هذا التنازع تعارض الأدلة؛ فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم، ثم أنهم يرون من الأعيان، الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافرًا، فيتعارض عندهم الدليلان.

وحقيقة الأمر: أنهم أصابهم في ألفاظ العموم في كلام الأئمة ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، كلما رأوهم قالوا: من قال كذا فهو كافر، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق لمعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، / إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة ـ الذين أطلقوا هذه العمومات ـ لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه.

فإن الإمام أحمد ـ مثلا ـ قد باشر [الجهمية] الذين دعوه إلى خلق القرآن، ونفي الصفات، وامتحنوه وسائر علماء وقته، وفتنوا الؤمنين والمؤمنات ـ الذين لم يوافقوهم علي التجهم ـ بالضرب والحبس، والقتل والعزل على الولايات، وقطع الأرزاق، ورد الشهادة، وترك تخليصهم من أيدى العدو، بحيث كان كثير من أولى الأمر إذ ذاك من الجهمية من الولاة والقضاة وغيرهم، يكفرون كل من لم يكن جهميًا موافقًا لهم على نفي الصفات، مثل القول بخلق القرآن، يحكمون فيه بحكمهم في الكافر، فلا يولونه ولاية، ولا يفتكونه من عدو، ولا يعطونه شيئًا من بيت المال، ولا يقبلون له شهادة، ولا فتيا ولا رواية. ويمتحنون الناس عند الولاية والشهادة، والافتكاك من الأسر وغير ذلك. فمن أقر بخلق القرآن حكموا له بالإيمان، ومن لم يقر به لم يحكموا له بحكم أهل الإيمان ومن كان داعيًا إلى غير التجهم قتلوه أو ضربوه وحبسوه.

ومعلوم أن هذا من أغلظ التجهم؛ فإن الدعاء إلى المقالة أعظم من /قولها، وإثابة قائلها وعقوبة تاركها أعظم من مجرد الدعاء إليها، والعقوبة بالقتل لقائلها أعظم من العقوبة بالضرب.

ثم إن الإمام أحمد دعا للخليفة وغيره، ممن ضربه وحبسه، واستغفر لهم، وحللهم مما فعلوه به من الظلم والدعاء إلى القول الذى هو كفر، ولو كانوا مرتدين عن الإسلام لم يجز الاستغفار لهم؛ فإن الاستغفار للكفار لا يجوز بالكتاب والسنة والإجماع، وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية، الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق، وإن الله لايرى في الآخرة. وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه كفّر به قومًا معينين، فأما أن يذكر عنه في المسألة روايتان، ففيه نظر أو يحمل الأمر على التفصيل. فيقال: من كفر بعينه؛ فلقيام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير، وانتفت موانعه، ومن لم يكفره بعينه فلانتفاء ذلك في حقه، هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير