تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأهل السنة والجماعة متفقون على أن المعروفين بالخير، كالصحابة المعروفين، وغيرهم من أهل الجمل وصِفِّين من الجانبين، لا يفسق أحد منهم، فضلا عن أن يكفر، حتى عدى ذلك من عداه من الفقهاء إلى سائر أهل البغى، فإنهم مع إيجابهم لقتالهم منعوا أن يحكم بفسقهم لأجل التأويل، كما يقول هؤلاء الأئمة: إن شارب النبيذ المتنازع فيه متأولا لا يجلد ولا يفسق، وقد قال تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء: 78، 79]،وقال تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5].

وثبت في الصحاح ـ من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر). وثبت في الصحيح عن بُرَيْدة بن الحصيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا حاصرت أهل حِصْن فسألوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك؛ فإنك لا تدرى ما حكم الله فيهم) / وأدلة هذا الأصل كثيرة لها موضع آخر.

وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع أن من بلغته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يؤمن به فهو كافر لا يقبل منه الاعتذار بالاجتهاد، لظهور أدلة الرسالة، وإعلام النبوة؛ ولأن العذر بالخطأ حكم شرعى، فكما أن الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر، والواجبات تنقسم إلى

أركان وواجبات ليست أركانًا، فكذلك الخطأ ينقسم إلى مغفور وغير مغفور، والنصوص إنما أوجبت رفع المؤاخذة بالخطأ لهذه الأمة، وإذا كان كذلك فالمخطئ في بعض هذه المسائل، إما أن يلحق بالكفار، من المشركين وأهل الكتاب مع مباينته لهم في عامة أصول الإيمان، وإما أن يلحق بالمخطئين في مسائل الإيجاب والتحريم، مع أنها ـ أيضًا ـ من أصول الإيمان.

فإن الإيمان بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة، هو من أعظم أصول الإيمان، وقواعد الدين، والجاحد لها كافر بالاتفاق، مع أن المجتهد في بعضها ليس بكافر بالاتفاق مع خطئه.

وإذا كان لابد من إلحاقه بأحد الصنفين، فمعلوم أن المخطئين من المؤمنين بالله ورسوله، أشد شبهًا منه بالمشركين وأهل الكتاب، /فوجب أن يلحق بهم، وعلى هذا مضى عمل الأمة قديمًا وحديثًا، في أن عامة المخطئين من هؤلاء تجرى عليهم أحكام الإسلام التى تجرى على غيرهم، هذا مع العلم بأن كثيرًا من المبتدعة منافقون النفاق الأكبر، وأولئك كفار في الدرك الأسفل من النار، فما أكثر ما يوجد في الرافضة والجهمية ونحوهم زنادقة منافقون، بل أصل هذه البدع هو من المنافقين الزنادقة، ممن يكون أصل زندقته عن الصابئين والمشركين، فهؤلاء كفار في الباطن، ومن علم حاله فهو كافر في الظاهر ـ أيضًا.

وأصل ضلال هؤلاء الإعراض عما جاء به الرسول من الكتاب والحكمة، وابتغاء الهدى في خلاف ذلك، فمن كان هذا أصله فهو بعد بلاغ الرسالة كافر لا ريب فيه، مثل من يرى أن الرسالة للعامة دون الخاصة، كما يقوله قوم من المتفلسفة، وغالية المتكلمة والمتصوفة، أو يرى أنه رسول إلى بعض الناس دون بعض، كما يقوله كثير من اليهود والنصارى.

فهذا الكلام يمهد أصلين عظيمين:

أحدهما: أن العلم والإيمان والهدى فيما جاء به الرسول، وأن خلاف ذلك كفر على الإطلاق، فنفي الصفات كفر، والتكذيب بأن الله يرى في الآخرة، أو أنه على العرش، أو أن القرآن كلامه، أو / أنه كلم موسى، أو أنه اتخذ إبراهيم خليلا كفر، وكذلك ما كان في معنى ذلك، وهذا معنى كلام أئمة السنة وأهل الحديث.

والأصل الثانى: أن التكفير العام ـ كالوعيد العام ـ يجب القول بإطلاقه وعمومه.

وأما الحكم على المعين بأنه كافر، أو مشهود له بالنار، فهذا يقف على الدليل المعين؛ فإن الحكم يقف على ثبوت شروطه، وانتفاء موانعه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير