تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لفظ يقولون: القرآن كلام الله غير مخلوق وقال حرب الكرماني [حرب بن إسماعيل الكرماني، أبو محمد، الفقيه، تلميذ أحمد بن حنبل، رحل وطلب العلم، قال الخلال: [كان رجلا جليلا]، وقال الذهبي: [ما علمت به بأسا]، توفي سنة 280 هـ عن عمر يقارب التسعين]: ثنا إسحاق بن إبراهيم ـ يعنى ابن راهويه ـ عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، قال: أدركت الناس منذ سبعين سنة، أدركت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فمن دونهم يقولون: الله الخالق وما سواه مخلوق، إلا القرآن فإنه كلام الله، منه خرج وإليه يعود.

وهذا قد رواه عن ابن عيينة إسحاق، وإسحاق إما أن يكون سمعه منه أو من بعض أصحابه عنه، وعن جعفر بن محمد الصادق ــ وهو مشهور عنه ــ أنهم سألوه عن القرآن: أخالق هو أم مخلوق؟ فقال: ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله.

وهكذا روى عن الحسن البصري، وأيوب السختياني، وسليمان / التيمي، وخلق من التابعين. وعن مالك بن أنس، والليث بن سعد وسفيان الثوري، وابن أبي ليلى، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأمثال هؤلاء من الأئمة. وكلام هؤلاء الأئمة وأتباعهم في ذلك كثير مشهور، بل اشتهر عن أئمة السلف تكفير من قال: القرآن مخلوق، وأنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، كما ذكروا ذلك عن مالك بن أنس وغيره.

ولذلك قال الشافعي لحفص الفرد ـ وكان من أصحاب ضرار بن عمرو ممن يقول: القرآن مخلوق، فلما ناظر الشافعي، وقال له: القرآن مخلوق ــ قال له الشافعي: كفرت بالله العظيم، ذكره ابن أبي حاتم في الرد على الجهمية، قال: كان في كتابي عن الربيع بن سليمان قال: حضرت الشافعي، أو حدثني أبو شعيب، إلا أني أعلم أنه حضر عبد الله ابن عبد الحكم، ويوسف بن عمرو بن يزيد، فسأل حفص عبد الله قال: ما تقول في القرآن؟ فأبي أن يجيبه، فسأل يوسف بن عمرو فلم يجبه، وكلاهما أشار إلى الشافعي، فسأل الشافعي فاحتج عليه وطالت فيه المناظرة، فقام الشافعي بالحجة بأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وكفر حفصًا الفرد، قال الربيع: فلقيت حفصًا في المسجد بعد هذا فقال: أراد الشافعي قتلى.

وأما مالك بن أنس، فنقل عنه من غير وجه الرد على من يقول: القرآن مخلوق، واستتابته، وهذا المشهور عنه متفق عليه بين أصحابه.

/ وأما أبو حنيفة وأصحابه، فقد ذكر أبو جعفر الطحاوي في الاعتقاد الذي قال في أوله: [ذكر بيان اعتقاد أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء الملة]- أبى حنيفة النعمان ابن ثابت الكوفي، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني ــ قال فيه: [وإن القرآن كلام الله، منه بدأ بلا كيفية قولا، وأنزله على نبيه وحيا، وصدقه المؤمنون على ذلك حقا، وأثبتوا أنه كلام الله تعالى بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أنه كلام البشر فقد كفر، وقد ذمه الله وعابه وأوعده عذابه وتوعده، حيث قال: {سَأُصْلِيهِ سَقَرَ} [المدثر: 26]، فلما أوعد الله سقر لمن قال: {إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25]، علمنا أنه قول خالق البشر، ولا يشبه قول البشر].

وأما أحمد بن حنبل، فكلامه في مثل هذا مشهور متواتر، وهو الذي اشتهر بمحنة هؤلاء الجهمية؛ فإنهم أظهروا القول بإنكار صفات الله - تعالى - وحقائق أسمائه، وأن القرآن مخلوق،حتى صار حقيقة قولهم تعطيل الخالق - سبحانه وتعالى - ودعوا الناس إلى ذلك، وعاقبوا من لم يجبهم، إما بالقتل، وإما بقطع الرزق، وإما بالعزل عن الولاية، وإما بالحبس أو بالضرب، وكفروا من خالفهم، فثبت الله - تعالى - الإمام أحمد حتى أخمد الله به باطلهم، ونصر أهل الإيمان والسنة عليهم، وأذلهم بعد العز، وأخملهم بعد الشهرة، واشتهر عند خواص الأمة وعوامها أن القرآن كلام / الله غير مخلوق، وإطلاق القول أن من قال: إنه مخلوق، فقد كفر.

وأما إطلاق القول بأن الله لم يكلم موسى، فهذه مناقضة لنص القرآن، فهو أعظم من القول بأن القرآن مخلوق، وهذا بلا ريب يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، فإنه أنكر نص القرآن، وبذلك أفتى الأئمة والسلف في مثله، والذي يقول: القرآن مخلوق هو في المعنى موافق له، فلذلك كفره السلف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير