تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبوحاتم الشريف]ــــــــ[05 - 07 - 03, 06:15 ص]ـ

وإذا عرف هذا، فتكفير [المعين] من هؤلاء الجهال وأمثالهم ـ بحيث يحكم عليه بأنه من الكفار ـ لا يجوز الإقدام عليه إلا بعد أن تقوم على أحده الحجة الرسالية، التى يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت هذه المقالة لا ريب أنها كفر.

وهكذا الكلام في تكفير جميع [المعينين]، مع أن بعض هذه / البدعة أشد من بعض، وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض، فليس لأحد أن يكفر أحدًا من المسلمين، وإن أخطأ وغلط، حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحَجَّة.

ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك، بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة

وهذا الجواب لا يحتمل أكثر من هذا، والله المسؤول أن يوفقنا وسائر إخواننا لما يحبه ويرضاه، والله سبحانه أعلم.

/ وسئل شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ في رجل قال: إن الله لم يكلم موسى تكليما وإنما خلق الكلام والصوت في الشجرة، وموسى ـ عليه السلام ـ سمع من الشجرة لا من الله، وإن الله ـ عز وجل ـ لم يكلم جبريل بالقرآن وإنما أخذه من اللوح المحفوظ، فهل هو على الصواب أم لا؟

فأجاب:

الحمد لله، ليس هذا على الصواب، بل هذا ضال مفتر كاذب باتفاق سلف الأمة وأئمتها، بل هو كافر يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، وإذا قال: لا أكذب بلفظ القرآن ـ وهو قوله: {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164]ـ بل أقر بأن هذا اللفظ حق، لكن أنفي معناه وحقيقته، فإن هؤلاء هم الجهمية الذين اتفق السلف والأئمة على أنهم من شر أهل الأهواء والبدع، حتى أخرجهم كثير من الأئمة عن الثنتين والسبعين فرقة.

وأول من قال هذه المقالة في الإسلام كان يقال له: الجعد بن درهم، / فضَحَّى به خالد بن عبد الله القسرى يوم أضحى؛ فإنه خطب الناس فقال في خطبته: ضَحُّوا أيها الناس، تقبل الله ضحاياكم، فإنى مُضَحٍّ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا، ولم يكلم موسى تكليما، تعالى الله عما يقول الجعد علوًا كبيرًا، ثم نزل فذبحه. وكان ذلك في زمن التابعين فشكروا ذلك، وأخذ هذه المقالة عنه جَهْم بن صفوان، وقتله بخراسان سلمة بن أحوز، وإليه نسبت هذه المقالة التى تسمى [مقالة الجهمية]، وهى نفي صفات الله ـ تعالى ـ فإنهم يقولون: إن الله لا يرى في الآخرة، ولا يكلم عباده، وأنه ليس له علم ولا حياة ولا قدرة ونحو ذلك من الصفات، ويقولون: القرآن مخلوق.

ووافق الجهمَ على ذلك المعتزلة ـ أصحاب عمرو بن عبيد ـ وضموا إليها بدعا أخرى في القَدَر وغيره، لكن المعتزلة يقولون: إن الله كلم موسى حقيقة وتكلم حقيقة، لكن حقيقة ذلك عندهم أنه خلق كلاما في غيره، إما في شجرة وإما في هواء، وإما في غير ذلك، من غير أن يقوم بذات الله عندهم كلام ولا علم، ولا قدرة ولا رحمة، ولا مشيئة ولا حياة، ولا شيء من الصفات.

والجهمية تارة يبوحون بحقيقة القول، فيقولون: إن الله لم يكلم موسى تكليمًا، ولا يتكلم، وتارة لا يظهرون هذا اللفظ؛ لما فيه من الشناعة المخالفة لدين الإسلام واليهود والنصارى، فيقرون باللفظ، / ولكن يقرنونه بأنه خلق في غيره كلاما.

وأئمة الدين كلهم متفقون على ما جاء به الكتاب والسنة، واتفق عليه سلف الأمة، من أن الله كلم موسى تكليما، وأن القرآن كلام الله غير مخلوق، وأن المؤمنين يرون ربهم في الآخرة، كما تواترت به الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن لله علمًا وقدرة ونحو ذلك.

ونصوص الأئمة في ذلك مشهورة متواترة، حتى إن أبا القاسم الطبرى الحافظ لما ذكر في كتابه في [شرح أصول السنة] مقالات السلف والأئمة في الأصول، ذكر من قال: القرآن كلام الله غير مخلوق. وقال: فهؤلاء خمسمائة وخمسون نفسًا أو أكثر من التابعين والأئمة المرضيين سوى الصحابة، على اختلاف الأعصار ومضى السنين والأعوام، وفيهم نحو من مائة إمام ممن أخذ الناس بقولهم، وتدينوا بمذاهبهم، ولو اشتغلت بنقل قول أهل الحديث لبلغت أسماؤهم ألوفًا، لكنى اختصرت فنقلت عن هؤلاء عصرًا بعد عصر، لا ينكر عليهم منكر، ومن أنكر قولهم استتابوه أو أمروا بقله أو نفيه أو صلبه. قال: ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال: القرآن مخلوق جعد بن درهم، في سنى نيف وعشرين ومائة، ثم جهم بن صفوان، فأما جعد فقتله خالد بن

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير