تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أحدها: أن الله ـ سبحانه ـ أنطق الأشياء كلها نطقًا معتادًا ونطقًا خارجًا عن المعتاد، قال تعالى: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يس: 65]، وقال تعالى: {حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [فصلت: 20، 21]، وقال تعالى: {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النور: 24]، وقد قال تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} [ص: 18]، وقد ثبت أن الحصي كان يسبح في يد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الحجر كان يسلم عليه، وأمثال ذلك من إنطاق الجمادات، فلو كان إذا خلق كلاما في غيره كان هو المتكلم به، كان هذا كله كلام الله ـ تعالى ـ ويكون قد كلم من سمع هذا الكلام كما كلم موسى ابن عمران، بل قد ثبت أن الله خالق / أفعال العباد. فكل ناطق فالله خالق نطقه وكلامه، فلو كان متكلما بما خلقه من الكلام لكان كل كلام في الوجود كلامه حتى كلام إبليس والكفار وغيرهم. وهذا تقوله غلاة الجهمية كابن عربي وأمثاله يقولون:

وكل كلام في الوجود كلامه**سواء علينا نثره ونظامه

وهكذا أشباه هؤلاء من غلاة المشبهة الذين يقولون: إن كلام الآدميين غير مخلوق، فإن كل واحدة من الطائفتين يجعلون كلام المخلوق بمنزلة كلام الخالق، فأولئك يجعلون الجميع مخلوقا، وأن الجميع كلام الله، وهؤلاء يجعلون الجميع كلام الله وهو غير مخلوق؛ ولهذا كان قد حصل اتصال بين شيخ الجهمية الحلولية وشيخ المشبهة الحلولية.

وبسبب هذه البدع وأمثالها من المنكرات المخالفة لدين الإسلام، سلط الله أعداء الدين، فإن الله يقول: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 40، 41]، وأي معروف أعظم من الإيمان بالله وأسمائه وآياته؟ وأي منكر أعظم من الإلحاد في أسماء الله وآياته؟

الوجه الثاني: أن يقال لهؤلاء الضالين: ما خلقه الله في غيره / من الكلام وسائر الصفات فإنما يعود حكمه على ذلك المحل لا على غيره فإذا خلق الله في بعض الأجسام حركة أو طعما أو لونًا أو ريحًا، كان ذلك الجسم هو المتحرك المتلون المتروح المطعوم، وإذا خلق بمحل حياة أو علمًا أو قدرة أو إرادة أو كلاما، كان ذلك المحل هو الحي العالم القادر المريد المتكلم، فإذا خلق كلاما في الشجرة أو في غيرها من الأجسام، كان ذلك الجسم هو المتكلم بذلك الكلام، كما لو خلق فيه إرادة أو حياة أو علما، ولا يكون الله هو المتكلم به، كما إذا خلق فيه حياة أو قدرة أو سمعًا أو بصرًا، كان ذلك المحل هو الحي به والقادر به والسميع به والبصير به. فكما أنه -سبحانه - لا يجوز أن يكون متصفًا بما خلقه من الصفات المشروطة بالحياة وغير المشروطة بالحياة، فلا يكون هو المتحرك بما خلقه في غيره من الحركات، ولا المصوت بما خلقه في غيره من الأصوات، ولا سمعه ولا بصره وقدرته ما خلقه في غيره من السمع والبصر والقدرة، فكذلك لا يكون كلامه ما خلقه في غيره من الكلام ولا يكون متكلمًا بذلك الكلام.

الوجه الثالث: أن الاسم المشتق من معنى لا يتحقق بدون ذلك المعنى، فاسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وأفعال التفضيل يمتنع ثبوت معناها دون معنى المصدر التي هي مشتقة منه، والناس / متفقون على أنه لا يكون متحرك ولا متكلم إلا بحركة وكلام، فلا يكون مريد إلا بإرادة، وكذلك لا يكون عالم إلا بعلم ولا قادر إلا بقدرة ونحو ذلك.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير