[ضابط هام في العزلة و الخلطة]
ـ[العويشز]ــــــــ[26 - 06 - 03, 02:22 م]ـ
أنقل لكم أيها الاخوان كلام ابن القيم رحمه الله تعالى في مسألة العزلة والخلطة والضابط فيهما لكي يراقب الواحد منا نفسه و يحاسبها على الإفراط أو التفريط في هذا الأمر والله الموفق.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
أن يخالط الناس في الخير-كالجمعة والجماعة والأعياد والحج وتعليم العلم والجهاد والنصيحة –ويعتزلهم في الشر، وفضول المباحات.فإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في الشر ولم يمكنه اعتزالهم فالحذر الحذر أن يوافقهم وليصبر على أذاهم فإنهم لابد أن يؤذوه إن لم يكن له قوة أو ناصر، ولكن أذىً يعقبه عز ومحبة له وتعظيم وثناء عليه منهم،ومن المؤمنين،ومن رب العالمين. وموافقتهم يعقبها ذل وبغض له ومقت وذم منهم،ومن المؤمنين،ومن رب العالمين.فالصبر على أذاهم خير وأحسن عاقبة وأحمد مآلاً.وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه ويشجع نفسه ويقوي قلبه ولا يلتفت إلى الوارد الشيطاني القاطع له عن ذلك بأن هذا رياء ومحبة لإظهار علمك وحالك ونحو ذلك فليحاربه وليستعن بالله ويؤثر فيهم من الخير ما أمكنه. أ.هـ
ـ[العويشز]ــــــــ[06 - 08 - 03, 06:14 م]ـ
فضول المخالطة:
قال ابن القيم رحمه الله:
فهي الداء العضال الجالب لكل شر، وكم سلبت المخالطة و المعاشرة من نعمة وكم زرعت من عداوة وكم غرست في القلب من حزازات تزول الجبال الراسيات وهي في القلوب لا تزول ففي فضول المخالطة خسارة الدنيا والآخرة وإنما ينبغي للعبد أن يأخذ من المخالطة بمقدار الحاجة ويجعل الناس فيها أربعة أقسام متى خلط أحد الأقسام بالآخر ولم يميز بينهما دخل عليه الشر.
أحدها:من مخالطته كالغذاء لا يستغنى عنه في اليوم والليلة، فإذا أخذ حاجته منه ترك الخلطة ثم إذا احتاج إليه خالطه هكذا على الدوام. وهذا الضرب أغز من الكبريت الأحمر، وهم العلماء بالله وأمره ومكايد عدوه، وأمراض القلوب وأدويتها الناصحون لله ولرسوله ولخلقه، فهذا الضرب في مخالطتهم الربح كل الربح.
القسم الثاني: من مخالطته كالدواء، يحتاج إليه عند المرض فما دمت صحيحاً فلا حاجة لك في خلطته وهم من لا يستغنى عن مخالطتهم في مصلحة المعاش وقيام ما أنت محتاج إليه من أنواع المعاملات والمشاركات والاستشارة والعلاج ونحوها فإذا قضيت حاجتك من مخالطة هذا الضرب بقيت مخالطتهم من ………
القسم الثالث: وهم في مخالطته كالداء على اختلاف مراتبه و أنواعه وقوته وضعفه فمنهم من مخالطته كالداء العضال و المرض المزمن وهو من لا تربح عليه في دين و لا دنيا ومع ذلك فلا بد من أن تخسر عليه الدين والدنيا أو أحدهما فهذا إذا تمكنت منك مخالطته و اتصلت فهي مرض الموت المخوف.
ومنهم من مخالطته كوجع الضرس يشتد ضربه عليك، فإذا فارقك سكن الألم.
ومنهم من مخالطته هي الروح وهو الثقيل البغيض العقل، الذي لا يحسن أن يتكلم فيفيدك، ولا يحسن أن ينصت فيستفيد منك ولا يعرف نفسه فيضعها في منزلتها، بل إن تكلم فكلامه كالعصى ينزل على قلوب المسلمين، مع إعجابه بكلامه وفرحه به فهو يحدث من فيه كلما تحدث، ويظن أنه مسك يطيب به المجلس وإن سكت فهو أثقل من نصف الرحا العظيمة التي لا يطاق حملها ولا جرها على الأرض. وبالجملة فمخالطة كل مخالف حمى الروح، فعرضته لازمة ومن نكد الدنيا على العبد أن يبتلى بواحد من هذا الضرب وليس له بد من معاشرته ومخالطته فليعاشره بالمعروف حتى يجعل الله له من أمره فرجاً ومخرجاً.
القسم الرابع: من مخالطته الهلك كله بمنزلة أكل السم فإن اتفق لآكله ترياق وإلا فأحسن الله فيه العزاء. وما أكثر هذا الضرب في الناس لا كثرهم الله وهم أهل البدع و الضلالة الصادون عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الداعون إلى خلافها الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجاً فيجعلون البدعة سنة والسنة بدعة والمعروف منكراً والمنكر معروفاً.
إن جردت التوحيد بينهم قالوا: تنقصت جناب الأولياء و الصالحين. وإن جردت المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: أهدرت الأئمة المتبوعين.وإن وصفت الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم من غير غلو ولا تقصير قالوا: أنت من المفتنيين. وإن اتبعت السنة وتركت ما خالفها قالوا: أنت من أهل البدع المضلين. وإن انقطعت إلى الله تعالى، وخليت بينهم وبين جيفة الدنيا قالوا: أنت من الملبسين.وإن تركت ما أنت عليه واتبعت أهواءهم، فأنت عند الله من الخاسرين وعندهم من المنافقين.
فالحزم كل الحزم بالتماس مرضاة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بإغضابهم، وأن لا تشتغل بأعتابهم، ولا باستعتابهم و لا تبالي بذمهم ولا بغضهم فإنه عين كمالك.