تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلماء الإسلام يجدون أنفسهم اليوم وسط هذه الدوامة المدمرة وليس في أيديهم من وسائل الاتصال بالناس إلا وسائل إعلامية محدودة كخطبة أو درس في مسجد أو صحيفة محدودة لا يقرؤها إلا نفر يسير، وقد حجب الناس عنهم بتلك الوسائل الإعلامية الضخمة التي يملكها الباطل وتسير في ركاب الشيطان. ثم وهؤلاء العلماء لا يجدون من الأوقات ما يتفرغون به في الرد على الشبهات أو ملاحقة ما يقذفه أهل الباطل من شكوك وظلمات ولذلك تعطلت فاعلة الاجتهاد وقل رجاله بل ندروا، وأصبح المجال مفتوحاً أمام رواد الباطل ومروجي الخرافات.

وهكذا أدى انفصال السياسة والحكم عن الدين إلى إنزواء علماء الشريعة ووضع شأنهم وانشغالهم بتحصيل عيشهم وقوت أولادهم عن النظر في الدين والعلم والحياة. فلا نجد عند أحدهم فرصة لقراءة صحيفة أو متابعة لأخبار الناس وتحولاتهم أو معرفة لعقائدهم وسلوكهم، وبذلك ظهر علماء الشريعة وكأنهم يعيشون في غير عصورهم ويتكلمون مع غير بني جنسهم.

ولو كانت السياسة والحكم تسير في ركاب الدين لكان لعلماء الشريعة شأن آخر، وذلك أنهم سيستشارون ويؤخذ رأيهم في مشكلات الأمة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وسيكون لهم شأن آخر، فسيطلعون على أحوال الناس ويشاركون في توجيههم وإرشادهم، ولكن السياسة أهملتهم بل واحتقرتهم وازدرتهم، فهانوا على الناس ثم هانوا على أنفسهم وانشغلوا بتحصيل العيش. وانصرف الناس عنهم وجمدت بذلك عجلة الاجتهاد وهذه أولى مشكلاتنا ولا حل لها إلا برواد مخلصين من علماء الشريعة يهبطون إلى ميدان الدعوة ويصارعون الباطل بالحق والسياسة المنحرفة بالسياسة الشرعية، وذلك حتى تعلو كلمة الحق على كلمة الباطل، وفي جهادهم هذا وسعيهم هذا سيضطرون إلى الاجتهاد لمعرفة حكم الله في مشكلاتهم الحادثة، وبذلك يروج سوق الشريعة فهماً وعملاً وتطبيقاً واستنباطاً.

ثانياً: عندما انفصل الحكم عن الإسلام، وأصبح الحكم دنيوياً جبرياً يسعى أصحابه للبقاء فيه بكل وسيلة، ويسترضون الناس بكل طريق، ويبطشون بأعدائهم في غير رحمة، وكان مع ذلك سواد الشعب مسلمين يحبون الإسلام وإن كانوا يجهلونه فإن كل حاكم عمد إلى استئناس طائفة من أهل العلم بالشريعة فسلمهم مناصب دينية في دولته وسلطهم حرباً على كل داع بحق إلى نهضة إسلامية ترجع الشريعة إلى نصاب الحكم والحاكم إلى ميزان العدل. وعمد هؤلاء المستأنسون إلى حرب الداعين إلى الإسلام بحق فلم يجدوا من فرية يلصقونها بهم إلا أنهم خارجون على إجماع الأمة ومحاربون للأئمة، ومبتدعون بالدعوة إلى الاجتهاد ويزعمون أن الأئمة الأربعة قد كفوا الناس مؤونة الاجتهاد فما من حكم إلا وقد دونوه وتكلموا فيه، وما هذا الداعي إلى الاجتهاد إلا مفتر على الأئمة كاره لهم، وبذلك ثوروا العامة على العلماء المخلصين والدعاة الهادين المهديين، ويكفي عند عامة الناس أن يقال أن فلاناً يكره الأئمة الأربعة أو ينتقص من شأنهم حتى يقوموا في وجهه من غير ترو ولا فهم ويرموه بكل نقيصة، وبذلك ينصرف الناس عن دعوته ويسلم لأهل السياسة ما أرادوا ولعلماء السوء ما وسعوا. والعجب أن الفرية إذا تناقلتها الألسن قد يقع فيها الصالحون من الناس وبغفلة منهم وظن أن العدد الكثير من الناس لا يقع في خطأ وبذلك يعظم تصديق الفرية لرؤية بعض الصالحين يقول بها، وقد يكون قوله بها ما كان إلا غفلة وتهاوناً.

المهم أن أصحاب النوايا السيئة لا يعدمون كذباً وافتراء ولا ينفكون عن الرمي بالعقبات التي تحول دون استرداد الأمة لعافيتها التشريعية والإيمانية والعلمية. ولن يكون ذلك إلا بعلماء عاملين مجتهدين، وبعامة واعية تطالب علماءها بالدليل والحجة وتسير خلفهم ببصيرة ووعي وبذلك يضيق الخناق على أهل الباطل وينكشف أهل السوء الذين يلوون ألسنتهم بالكتاب وليس من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويلبسون للناس الحق بالباطل، ويكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويعطون لكل ظالم من الحكام ما أراد من فتوى وحكم ملبسين إياه آيات من القرآن وأحاديث من أحاديث سيد الأنام عليه السلام ولا ينكشف هؤلاء الأفاكون إلا بالشعوب الواعية التي تميز بين الحق والباطل والصحيح والزائف، ولا يمكن للأمة والشعب أن يملك هذا التمييز إلا إذا عرف الطريق إلى الكتاب والسنة وكيف يطالب بالدليل وكيف

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير