وكان من مظاهر التحالف الشيعي اليهودي في الدولة البويهية أن حكام هذه الدولة الشيعية كانوا يحضرون مواكب وأعياد اليهود، بل ويباشرون حمايتها بأنفسهم (11).
كما أن أمراء الدولة البويهية كانوا ُيسيّرون مواكب العزاء الشيعية في شهر محرم وغيره، وكان الأمير البويهي يصطحب معه رأس الطائفة اليهودية الجالوت ومعه النافخون في الأبواق (12)، وكان لليهود فضل السبق في ممارسة عادات ومسيرات العزاء في العراق وفارس، فمن مظاهر المآتم عند اليهود على الميت الحزن الشديد ولبس السواد، فإذا ما مات الميت عندهم قاموا يولولون عليه وينتحبون ويضربون صدورهم ويلطمونها، ويشقون ثيابهم، ويغمرون أنفسهم بالرماد إظهاراً للحزن وللحداد على موتاهم (13).
وقد أعجب أمراء الدولة البويهية بما كان يصنعه اليهود في مسيرات العزاء وتأثروا بهم في مسيراتهم الرسمية في عاشوراء وغيرها.
وكان لليهود مشاركة فعّالة في الاحتفالات التي كانت تقيمها الدولة البويهية، حيث كانت تزين الأسواق بأواني الذهب والفضة والجواهر، ومنها سوق الصرافين [الصيارفة] الذي اختص به اليهود كما في سنة 370هـ (14).
وكان عضد الدولة قد بنى حول قصره مدينة جديدة نسبت إليه وهي [كردفنا خسرو] نقل إليها معظم اليهود المختصين بالصرافة وصناعة الخمر والديباج، وأسكنهم بجوار قصره، وكان يقيم معهم كل عام أحتفالاً عظيماً (15).
كما أن الأسواق في فارس خلال فترة الدولة البويهية وخاصة أسواق مدينة [شيراز] كانت تزين في أعياد اليهود (16)، حيث إن أغلب سكانها من اليهود، لأن أكبر الجاليات اليهودية في فارس كانت موجودة في أكبر مدن الإقليم وهي: سيراف وشيراز (17).
وعلى إثر هذه العلاقة الحميمة بين اليهود والدولة البويهية، ثارت فتنة عظيمة تحالف فيها اليهود والشيعة ضد أهل السنة، وقد ذاق فيها أهل السنة أشد أنواع الذل والهوان (18).
وقد عظم شأن اليهود لدى الفاطميين مثل شأنهم لدى البويهيين، وقد أشار المؤرخ ابن تغري بردي إلى أن الرسائل الخاصة التي كانت تتبادل بين الأمير البويهي والحاكم الفاطمي سنة 369هـ كان يكتبها ويحررها الوزير اليهودي يعقوب بن كلس (19).
وكان حكام الدولة الفاطمية يعظمون شأن اليهود، حتى صاروا خاصتهم، فاتخذوا منهم الوزراء والأطباء، ومن أشهر هؤلاء اليهود الوزراء: أبونصر صدقة الفلاحي، وأبوسعد التستري، وابن كلس اليهودي.
وكان عظم شأن اليهود في الدول الشيعية [البويهية: فارس والعراق - الفاطمية: مصر والمغرب] وارتفاع شأنهم من أهم الأسباب التي دفعت الكثير من المسلمين إلى التذلل عند اليهود، ومدحهم والثناء عليهم، وظهرت في ذلك قصائد شعرية مشهورة سجلها التاريخ .. منها:
قول أحد الشعراء:
وجدنا في اليهود رجال صدق × × × على ما كان من دين يريب
وقال الآخر:
يهود هذا الزمان قد بلغوا × × × غاية آمالهم وقد ملكوا
العز فيهم والمال عندهمُ × × × ومنهم المستشار والملك
يا أهل مصر إني نصحت لكم × × × تهودوا قد تهود الفلك (20).
وبلغت مناصرة حكام الشيعة لليهود مبلغاً لم يصبر عليه أهل الإسلام، فهذه امرأة ترسل رسالة إلى الحاكم الفاطمي تتوسل إليه أن يقضي لها حاجة، ويرفع عنها الظلم، ولكنها تواجه بتجاهل هذا الحاكم الشيعي المنشغل بخدمة اليهود (21)!
فتقوم المرأة المسلمة بعد أن نفذ صبرها وترسل له هذه الرسالة .. قائلة فيها:
[يا أمير المؤمنين، بالذي أعز النصارى بعيسى النسطوري، واليهود بمنشأ بن إبراهيم اليهودي، وأذل المسلمين بك، ألا نظرت في أمري، ألا كشفت عن ظلامتي؟!] (22).
وقد بالغ حكام الدولة البويهيية والفاطمية في إذلال فقهاء وعلماء أهل السنة، في مقابل تعظيم اليهود ورفع مكانتهم، حتى أصبح الفقيه السني مضرب المثل في الذلة والهوان، وأصبح الشاعر أو الساخر إذا أراد أن يصف أحداً بالذلة والحقارة في ذلك الزمن شبهه بالفقهاء.
يقول الشاعر:
أحبابنا ُنوب الزمان كثيرة × × × وأمرُّ منها رفعة السفهاء
فمتى يفيق الدهر من سكرته × × × وأرى اليهود بذلة الفقهاء (23).
وبلغت سطوة اليهود في الدولة البويهية أن الوزير مؤيد الملك الرخجي أراد معاقبة اليهودي المرابي ابن شعياء على ظلمه وسرقاته، لكن شرف الدولة البويهي طرده من عمله ونكل به، استجابةً لوزيره الخاص ومستشاره اليهودي عنبر الخادم (24).
¥