تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عرفت الدولة العثمانية منصب شيخ الإسلام في فترة مبكرة من تاريخها، ترجع إلى عهد السلطان محمد الفاتح، فبعد أن فتح مدينة القسطنطينية أطلق عليها اسم "إسلام بول" الذي تحرف مع الوقت إلى إستانبول، أي "دار السلام"، وجعلها عاصمة لدولته، ونقل إليها مؤسسات الدولة، وأحدث تغييرات في مناصب الدولة، كان من بينها أن أطلق على مفتي العاصمة أو المفتي الأكبر لقب شيخ الإسلام؛ تقديرا لمهامه التي يقوم بها، وتمييزا له عن سائر رجال الإفتاء الذين يعملون في الأقاليم والمدن الكبرى في أنحاء الدولة العثمانية.

ويعد شيخ الإسلام أكبر شخصية دينية في الدولة العثمانية، والرئيس الفعلي للهيئة الدينية التي كانت تضم القضاة بمختلف فئاتهم ودرجاتهم والمفتين وأساتذة الشريعة وهيئات التدريس في المدارس الإسلامية.

اختصاصات شيخ الإسلام

وكان الصدر الأعظم والوزراء يلتمسون رأيه في بعض القضايا الهامة والمسائل العاجلة، ويعرضون عليه مشروعات القوانين الوضعية ومدى ملاءمتها لمبادئ الشريعة الإسلامية قبل إقرارها بصفة نهائية، وكانت تحال عليه القضايا الجنائية التي صدر حكم بإعدام المتهم فيها ليرى رأيه قبل تنفيذ الحكم، ويطمئن على سلامة الإجراءات والتحقيق وصدق الأدلة الثابتة على المتهم.

وبلغ من اتساع اختصاصات شيخ الإسلام أن السلطان كان لا يقدم على الدخول في حرب من الحروب دون أن يستصدر فتوى من شيخ الإسلام أن هذه الحرب لا تتعارض مع الدين، وأن لها أسبابا قوية توجب الدخول فيها، وكان شيخ الإسلام يوفد الوعاظ إلى سائر الأنحاء للإعلان أن الحرب التي تخوضها الدولة إنما هي حرب دينية تستلزم تأييد الناس لها ووقفوهم في جانبها.

وحين حاول السلطان الأول تخيير رعاياه المسيحيين بين اعتناق الإسلام أو القتل، وقف له شيخ الإسلام، وأصدر فتوى أن الشريعة الإسلامية تسمح للمسيحيين وغيرهم من أهل الكتاب الخاضعين للدولة الإسلامية بالبقاء على دينهم، ما داموا يدفعون الجزية باعتبارها بديلا نقديا يعفيهم من التجنيد بممارسة شعائر دينهم في حرية تامة، وأن تقوم الدولة بالمحافظة على أرواحهم وممتلكاتهم ما داموا ملتزمين بقوانين الدولة، وإزاء هذه الفتوى القوية أذعن السلطان لها، وتراجع عما كان ينوي الإقدام عليه.

وكان لشيخ الإسلام دون سواه الحق في إصدار الفتوى بعزل السلطان القائم بالحكم إذا بدا منه انحراف عن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية تطبيقا سليما، أو ثبت إصابته بمرض لا يرجى شفاؤه، ومن السلاطين العثمانيين الذين صدرت فتاوى من شيخ الإسلام بعزلهم: إبراهيم خان الأول، وسليم الثالث، وعبد العزيز خان، ومراد الخامس.

شيخ الإسلام والصدر الأعظم

بلغ من تكريم الدولة لشيخ الإسلام أنه كان هو والصدر الأعظم الوحيدين في الدولة اللذين يتسلمان قرار تعيينهما في منصبهما من يد السلطان، وكان من التقاليد المتبعة في الاحتفالات الرسمية ألا يتقدم أحدهما على الآخر بل كانا يسيران جنبا إلى جنب، وإذا قام أحدهما بزيارة رسمية للآخر اتبع في استقباله وتوديعه مراسم التكريم والتشريف التي تتبع في استقبال الآخر وتوديعه، وكان شيخ الإسلام إذا ذهب لمقابلة السلطان خفّ لاستقباله متقدما سبع خطوات، في حين لم يكن يتقدم لاستقبال الصدر الأعظم أو الوزراء سوى ثلاث خطوات.

وظل هذا المنصب قائما محاطا بكل أنواع التكريم من قبل السلطان أو الرعية حتى ألغي مع إلغاء نظام السلطنة في سنة (1341 هـ= 1922م)، وكان آخر من تولى هذا المنصب الجليل هو العلامة "مصطفى صبري".

هذه مقدمة موجزة جدا عن منصب شيخ الإسلام قبل أن نتناول ترجمة أسعد أفندي، وهو واحد ممن تولوا هذا المنصب في الدولة العثمانية.

مولد أسعد أفندي ونشأته

ولد أسعد أفندي في مدينة إستانبول في ذي القعدة (1096 هـ= أكتوبر 1685م)، ونشأ في بيت علم وفضل؛ فأبوه أبو إسحاق إسماعيل أفندي كان يتولى مشيخة الإسلام، وجده الشيخ إبراهيم العلائي واحد من كبار علماء الدولة، وعلى يدي هذين تلقى أسعد أفندي أول دروسه في العلم، ثم انتقل إلى غيرهما من العلماء للتلمذة عليهم.

وقد أظهر التلميذ النابه نبوغا مبكرا وتفوقا في تحصيل العلوم الشرعية، من فقه وحديث وتفسير وأصول وتفسير، حتى نال رتبة "الملازمة العلمية"، وهي شهادات مرموقة أتاحت له التدريس في مدرسة "جلطة سراي".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير