وحكى مثله في ((مرقاة المفاتيح)). وجعله ابن عبد البر -رحمه الله-: قولَ أهل العلم؛ حيث قال في: ((الاستذكار)): "وأما قول مالك في الصبغ بالسواد: (إنَّ غيره من الصبغ أحب إليه) فهو كذلك؛ لأنه قد كَرِه الصبغَ بالسواد أهلُ العلم "ا. هـ. وبه جزم الموفق ابن قدامة رحمه الله في: ((المغني))، وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في: ((شرح العمدة))، وابن قيم الجوزية رحمه الله في: ((تهذيب السنن))، في آخرين. أفاده ظاهر كلامهم.
ودليل ذلك مركَّب من شيئين:
أولهما: ما جاء عن جَمْع من أصحاب الرسول r أنّهم كانوا يخضبون بالسواد ويُجوِّزونه. ومنهم:
ـ عمر بن الخطاب t. حيث أخرج الحكيم الترمذي رحمه الله في: ((المنهيات)) بسنده إلى عمر بن الخطاب t أنه قال: ((اختضبوا بالسواد؛ فإنه آنس للنساء وهيبة للعدو)). وله طريق آخر عند ابن أبي الدنيا رحمه الله في: ((العمر والشيب))، وابن قتيبة رحمه الله في: ((عيون الأخبار))، وكذا غيره.
ـ عثمان بن عفان t. أخرجه عنه الدولابي رحمه الله في: ((الكنى)) بسنده إلى ابن أبي مليكة: أن عثمان بن عفان t كان يخضب بالسواد ".
ـ علي بن أبي طالب t. رواه عنه ابن الجوزي - رحمه الله - في: ((الشيب والخضاب)) بسنده إلى عبد الله بن حسن عن أبيه عن علي بن أبي طالب t أنه قال: "عليكم بهذا الخضاب الأسود، فإنه أهيب لكم في صدور أعدائكم، وأعطف لنسائكم عليكم ".
ـ سعد بن أبي وقاص t. حيث أخرج الطبراني - رحمه الله - في: ((المعجم الكبير)) عن سعيد بن المسيب: "أن سعد بن أبي وقاص كان يخضب بالسواد ". وله طريق أخرى عند الطبراني أيضاً.
ـ عمرو بن العاص t. فقد أخرج الحاكم - رحمه الله - في: ((المستدرك)) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: ((أن عمر بن الخطاب tرأى عمرو بن العاص وقد سوّد شيْبه، فهو مثل جناح الغراب. فقال: ما هذا يا أبا عبد الله؟ فقال: أمير المؤمنين أُحِب أن تُرى فيَّ بَقِيَّة. فلم يَنْهه عمر رضي الله عنه عن ذلك ولم يُعِبْه عليه)).
ـ المغيرة بن شعبة t. أخرجه ابن الجوزي في: ((الشيب والخضاب)) بسنده إلى عباس بن عبد الله بن معبد بن عباس قال: "أول من خضب بالسواد: المغيرة بن شعبة t ". وله شاهد عنده أيضاً.
ـ جرير بن عبد الله t. رواه عنه الطبراني في: ((المعجم الكبير)) بسنده إلى سليم أبي الهذيل أنه قال: "رأيت جرير بن عبد الله يَخْضب رأسه ولحيته بالسواد ".
ـ عقبة بن عامر الجهني t. فقد أخرج الطبراني في: ((المعجم الكبير)) وغيره من طريق الليث بن سعد عن أبي عشانة المعافري أنه قال: "رأيت عقبة بن عامر يخضب بالسواد ".
وآخرون من أصحاب النبي r، ويُلْحق بذلك ما جاء عند الطبراني في: ((المعجم الكبير)) عن عبد الرحمن بن برزج قال: "رأيت الحسن والحسين رضي الله عنهما ابني فاطمة رضي الله عنها: يخضبان بالسواد ". وله طرق أخرى. وما أخرجه ابن سعد رحمه الله في: ((الطبقات)) () بسنده إلى سعيد المقبري أنه قال: "رأيت أبناء صحابة رسول الله r: يصبغون بالسواد، منهم: عمرو بن عثمان بن عفان ".
وعلى كُلٍّ فالآثار في ذلك مشهورة وإن لم يَصِح بعضها، قال القرطبي رحمه الله في: ((المُفْهِم)): "بل قد رُوي عن جماعة كثيرة من السلف أنهم كانوا يَصْبغون بالسواد "ا. هـ.
وقال ابن القيم رحمه الله في ((زاد المعاد)): "صَحّ عن الحسن والحسين رضي الله عنهما أنهما كانا يخضبان بالسواد. ذكر ذلك عنهما ابن جرير في كتاب: ((تهذيب الآثار))، وذكره عن عثمان بن عفان، وعبد الله بن جعفر، وسعد بن أبي وقاص، وعقبة بن عامر، والمغيرة بن شعبة، وجرير بن عبد الله، وعمرو بن العاص. وحكاه عن جماعة من التابعين، منهم: عمرو بن عثمان وعلي بن عبد الله بن عباس، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وعبد الرحمن بن الأسود، وموسى بن طلحة، والزهري، وأيوب، وإسماعيل بن معدي كرب. وحكاه ابن الجوزي عن محارب بن دثار، ويزيد، وابن جريج، وأبي يوسف، وأبي إسحاق، وابن أبي ليلى، وزياد بن علاقة، وغيلان بن جامع، ونافع بن جبير، وعمرو بن علي المقدمي، والقاسم بن سلام "ا. هـ.
¥