في صحيح مسلم عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا و كذا و لكن قل: قدر الله و ما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان.
وقد أمرنا الله تعالى بألا نضعف ونذل أمام رياح الكفر والظلم والعدوان، وأن نعتز بديننا وننفض عن أنفسنا تلك الهزيمة النفسية، وتوقن أنَّ وعد الله آتٍ لا محالة، وأنَّ المستقبل لهذا الدين، ولو كره الكافرون، ولو تداعت علينا جيوش المشركين، فإنَّ أهل الإيمان هم الأعلون بإيمانهم، والأيام دول، وقتلانا في الجنة شهداء ابرار وقتلاهم في النار مع الفجار.
قال الله تعالى: " وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ …"
وعزانا الله تعالى بأنَّ ما يصيب أهل الغيمان من الأذى والألم يصيب أعداؤهم مثله، وأنَّ أهل الإيمان يمتازون عن أهل الكفر بما وقر في صدورهم من الإيمان وطلبهم مرضاة ربهم، وأنَّ الحسرة والهزيمة النكراء ستكون من نصيب أهل الكفر لا محالة.
وقال الله تعالى: " وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا "
وقال الله تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ "
فالإسلام يعلمنا أن اليأس توأم الكفر لأنه سوء ظن بالله قال الله تعالى: " يظنون بالله ظن السوء "، وأنَّ القنوط صفة أهل الضلال" ومن يقنط من رحمة ربه إلا القوم الضالون "
وأن التشاؤم والطيرة شرك بالله تعالى، فالمؤمن يثق بموعود الله تعالى فلا يحزن ولا يضيق صدره بل يعلم أنَّ الغلبة لابد لأهل الإيمان.
ومن أكبر ما يرسخ هذا الشعور دلالة الواقع على انحسار الكفر، ألا ترى كيف تفتتت الشيوعية الملحدة، وكيف أهلك الله الأمم السابقة، وإنَّ غدا لناظره قريب، وسيهلك الله أمريكا وإسرائيل، ولكنكم تستعجلون.
في ظل هذه الظلمات يكون الحديث عن المجدد وعن المهدي المنتظر من البشريات التي بشرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم باعثة للأمل في الغد.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الله تعالى يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها"
وقد اختلف أهل العلم في وصف المجدد، وتداول بعضهم روايات لا يعرف لها أصل من أنَّه يكون من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنَّه شخص واحد، أو أنه يبعث على رأس مائة سنة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ومن نحو ذلك مما لا يعول عليه لعدم الوثوق في ثبوته.
وعلى كلٍ فحتى إن كان المجدد رجلاً واحدًا فهذا لا يعني أن نغفل الجهود الجماعية التي تبذل لتنتج هذا المجدد، من حسن التنشئة والتربية والتوجيه، وحياة من اتفق على كونهم مجددي الزمان تشهد بذلك كحال أمير المؤمنين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز على سبيل المثال، فالإنسان قد يكون له دور في التمهيد لظهور هذا المجدد.
(إن اللّه تعالى يبعث لهذه الأمة) أي يقيض لها.
وأول ما يستوقف المتأمل في هذا الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم " يبعث لهذه الأمة " وبطبيعة الحال ليس بعثًا عن طريق الوحي، بل يقيض لها ويُخرج من يقوم بهذا الشأن العظيم، ونلاحظ قوله " لهذه الأمة " أي أنَّ هذا المجدد ليس ممَّن همه نفسه فحسب، بل همه هم الأمة، فيعيش لهذه الأمة.
¥