تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على منكر أو تقصير في المعروف.

- قال العلماء رضي الله عنهم: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين.

- الذي عليه هو الأمر والنهي لا القبول. وكما قال الله عز وجل: {ما على الرسول إلا البلاغ}.

- قال العلماء: ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال ممتثلا ما يأمر به مجتنبا ما ينهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مخلا بما يأمر به.

- والنهي وإن كان متلبسا بما ينهى عنه; فإنه يجب عليه شيئان أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه.

- قال العلماء: ولا يختص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأصحاب الولايات بل ذلك جائز لآحاد المسلمين. قال إمام الحرمين: والدليل عليه إجماع المسلمين ; فإن غير الولاة في الصدر الأول، والعصر الذي يليه كانوا يأمرون الولاة بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، مع تقرير المسلمين إياهم، وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من غير ولاية.

- ثم إنه إنما يأمر وينهى من كان عالما بما يأمر به وينهى عنه ; وذلك يختلف باختلاف الشيء; فإن كان من الواجبات الظاهرة، والمحرمات المشهورة كالصلاة والصيام والزنا والخمر ونحوها، فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال والأقوال ومما يتعلق بالاجتهاد لم يكن للعوام مدخل فيه، ولا لهم إنكاره، بل ذلك للعلماء.

- ثم العلماء إنما ينكرون ما أجمع عليه أما المختلف فيه فلا إنكار فيه لأن على أحد المذهبين كل مجتهد مصيب. وهذا هو المختار عند كثيرين من المحققين أو أكثرهم. وعلى المذهب الآخر المصيب واحد والمخطئ غير متعين لنا، والإثم مرفوع عنه، لكن إن ندبه على جهة النصيحة إلى الخروج من الخلاف فهو حسن محبوب مندوب إلى فعله برفق ; فإن العلماء متفقون على الحث على الخروج من الخلاف إذا لم يلزم منه إخلال بسنة أو وقوع في خلاف آخر.

- واعلم أن هذا الباب أعني باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلا رسوم قليلة جدا. وهو باب عظيم به قوام الأمر وملاكه. وإذا كثر أولا عم العقاب الصالح والطالح. وإذا لم يأخذوا على يد الظالم أوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} فينبغي لطالب الآخرة , والساعي في تحصيل رضا الله عز وجل أن يعتني بهذا الباب , فإن نفعه عظيم لا سيما وقد ذهب معظمه , ويخلص نيته , ولا يهادن من ينكر عليه لارتفاع مرتبته ; فإن الله تعالى قال: {ولينصرن الله من ينصره} وقال تعالى: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}. وقال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}. وقال تعالى: {أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين}

- واعلم أن الأجر على قدر النصب , ولا يتاركه أيضا لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه ; فإن صداقته ومودته توجب له حرمة وحقا , ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته , وينقذه من مضارها. وصديق الإنسان ومحبه هو من سعى في عمارة آخرته وإن أدى ذلك إلى نقص في دنياه. وعدوه من يسعى في ذهاب أو نقص آخرته وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه. وإنما كان إبليس عدوا لنا لهذا وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين لسعيهم في مصالح آخرتهم , وهدايتهم إليها , ونسأل الله الكريم توفيقنا وأحبابنا وسائر المسلمين لمرضاته , وأن يعمنا بجوده ورحمته. والله أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير