و قد قلت (القائل هو أحمد شاكر) في شرحي على (التحقيق) لابن الجوزي، بعد رواية هذا الحديث: " و هذا إسناد صحيح، إلا أن عمر بن عبد العزيزلم يسمع من عياش، فقد مات سنة 15، و لكنه محمول على الرواية الأخرى عن أنس، و كأن عمر لما سمعه من أنس صار يرويه مرة عنه و مرة يرسله عن عياش، يريد بذلك رواية القصة لا ذكر الإسناد. و هذا كثير من رواة الحديث و خصوصا القدماء.
و هو صريح في الدلالة على أن الأحاديث التي فيها الحكم بقطع الصلاة (بالمرأة و الحمار و الكلب) منسوخة، فقد سمع عياش أن الحمار يقطع الصلاة، و عياش من السابقين الذين هاجروا الهجرتين، ثم حُبس بمكة، و كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يدعو له في القنوت كما ثبت في الصحيحين. فعلم الحكم الأول ثم غاب عنه نسخه، فأعلمه رسول الله بعد؛ " أن الصلاة لا يقطعها شيء ". اهـ كلام أحمد شاكر.
قلت:
هذا الذي جنح إليه الشيخ أحمد شاكر لم يرتضه الإمام النووي رحمه، حيث قال في شرح (مسلم): " ... و منهم من يدعي نسخه بالحديث الآخر (لا يقطع الصلاة شيء، و ادرءوا ما استطعتم)، و هذا غير مرضي، لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث و تأويلها، و علمنا التاريخ، و ليس هنا تاريخ، و لا تعذر الجمع و التأويل، بل التأويل على ما ذكرناه. اهـ
و التأويل الذي أشار إليه النووي هو " نقص الخشوع في الصلاة لشغل القلب بالأشياء المذكورة؛ المرأة و الحمار و الكلب ".
و هذا تأويل غريب لا يسعفه أثر و لا نظر، لأن انشغال القلب بتلك الأشياء يقع كذلك مع وجود السترة، و قد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن مثل مؤخرة الرحل يمنع القطع ... مما يبيّن أن المراد بالقطع في الحديث غير شغل البال أو التشويش ... إذ لو كان الأمر كذلك لما كان هناك فرق بين الكلب الأسود و الأبيض، و لا بين الحمار و غيره من البهائم.
لأن التشويش و الشغل يحصل معها جميعا.
و عليه، فإن الجمع متعذر، إلا بتأويل بعيد. و لا مناص من الترجيح، و لذلك قال أبو داود بعد رواية حديث أبي سعيد: " إذا تنازع الخبران عن رسول الله صلى الله عليه و سلم نُظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده ". يعني أنه رجح نسخ أحاديث القطع.
و يكفي لرد شبهة عدم معرفة التاريخ، استقرار الأمر لدى أكثر الصحابة على أن لا يقطع الصلاة شيء. مع أن النسخ قد يثبت بغير النص على التاريخ؛ قال أحمد شاكر: " الراجح أن حديث قطع الصلاة بهذه الأشياء حديث منسوخ، فإن قول النبي صلى الله عليه و سلم: " لا يقطع الصلاة شيء " فيه إشارة إلى أنه كان معروفا عند السامعين قطعها بأشياء من هذا النوع، بل هو يكاد يكون كالصريح فيه لمن تأمل و فكر في معنى الحديث. اهـ
ـ[الطالب النجيب]ــــــــ[06 - 07 - 03, 02:10 م]ـ
قال الشيخ جابر الجزائري حفظه الله:
... مع هذا، فالجمهور من علماء الأئمة على أن صلاة المصلي لا تبطل بمن مر بين يديه في صلاته، و لا عبرة بمن خالف أكثر علماء الأمة، و من خالفهم تمسك بحديث: " يقطع الصلاة المرأة و الحمار و الكلب " (مسلم) و أنكرت عائشة أم المؤمنين هذا الحديث و قالت مستنكرة: " ما زدتم أن سويتمونا بالكلب و الحمار ". و قالت:
"كان النبي صلى الله عليه و سلم يتهجد بالليل و أنا بين يديه " و ورد أيضا قوله صلى الله عليه و سلم: " لا يقطع الصلاة شيء، و ادرءوا ما استطعتم " (أبو داود).
و سر النهي عن المرور بين يدي المصلي؛ هو أنّ المصلي و هو يناجي ربه متصل به، يسبحه و يكبره و يدعوه و يتلو كتابه، فالمار بين يديه، أي بينه و بين سترته، يقطع تلك الصلة؛ لأن المصلي بشر، إذا مر بين يديه إنسان أو حيوان لفت نظره إليه فانقطعت تلك الصلة، و يحتاج إلى تجددها مرة أخرى فيأسف لذلك بل و يحزن.
و لهذا كان مرور المرأة أشد في قطع تلك الصلة، و كذلك الحمار، و أما الكلب الأسود فإنه شيطان؛ فهو أكثر تأثيرا في قطع الصلة التي بين العبد و ربه عز و جل.اهـ
ـ[زياد العضيلة]ــــــــ[06 - 07 - 03, 02:16 م]ـ
ينبغى هنا التفطن الى امر مهم ...
فجمهور العلماء من المالكية والشافعيه والحنفيه يقولون ان هذه الثلاثة تقطع الصلاة لكن ... انما وقع الخلاف في معنى قطع الصلاة هل هو الابطال ام النقص ..... فذهب الجمهور الى انه النقص في الصلاة وانها لاتبطل بهذه.
فلا يفهم من كلام الشيخ الجزائري انهم يرون ان هذا الحديث منسوخ!!
بل الجمهور يرون انه غير منسوخ وانما ذهبوا الى تأويل القطع بالنقص في الصلاة.
وذهب جماعات منهم الىان هذا الحديث منسوخ. كما تقدم ذكره في الخلاف السابق الذي نقله الاخ الطالب النجيب.
والمسئلة طويلة الذيول حتى ان الامام احمد قال ان في نفسه شئ من قطع الصلاة بغير الكلب لحديث عائشة وحديث أتان ابن عباس.
والكلب قد ورد في عدم قطعه حديث فيه قصه لاتحضرني الان غير ان في اسناده ضعفا. وليس فيه ان الكلاب كانت سوداء.