تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعند التأمل والنظر يتبين أن النهي الوارد عن النعي لا يعارض ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من نعي النجاشي ونعي الأمراء على المنبر، فإن النعي المنهي عنه في قول حذيفة رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي إنما هو في نعي الجاهلية، فالألف واللام للعهد الذهني، وهو ما كان معروفاً في الجاهلية من النعي، فلقد" كان من عادتهم إذا مات منهم شريف بعثوا راكباً إلى القبائل يقول: نعايا فلان، أو يانعايا العرب، أي: هلكت العرب بمهلك فلان، ويكون مع النعي ضجيج وبكاء" (44).فيكون النعي المنهي عنه محمولاً" على النعي لغير غرض ديني مثل إظهار التفجع على الميت وإعظام حال موته. ويحمل النعي الجائز على ما فيه غرض صحيح مثل طلب كثرة الجماعة تحصيلاً لدعائهم ... " (45)، وما أشبه ذلك.

ولا يرد على هذا التوجيه" قول حذيفة رضي الله عنه؛ لأنه لم يقل إن الإعلام بمجرده نعي، وإنما قال: أخاف أن يكون نعياً، وكأنه خشي أن يتولد من الإعلام زيادة مؤدية إلى نعي الجاهلية" (46).

وعلى هذا فلا حرج في الإخبار بموت الميت لكل غرض صحيح كما تقدم، والله أعلم.

المسألة الثانية: الإعلام بالموت بنداء ورفع صوت،:

ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية (47)،والمالكية (48)،والشافعية (49)،والحنابلة (50) إلى كراهية النداء في الإعلام بموت الميت؛ لما تقدم من حديثي حذيفة وابن مسعود رضي الله عنهما.

وذهب جماعة من الحنفية إلى أنه لا يكره النداء على الميت في الأزقة والأسواق إذا كان نداء مجرداً عن ذكر المفاخر (51).

قالوا: لأن في ذلك تكثير الجماعة من المصلين والمستغفرين للميت، وليس مثله نعي الجاهلية، فإنهم كانوا يبعثون إلى القبائل ينعون مع ضجيج وبكاء وعويل وتعديد ونياحة (52).

ويقال في الجواب على هذا: إن مقصود تكثير الجماعة من المصلين والمستغفرين للميت يمكن حصوله دون النداء ورفع الصوت. فالصواب من هذين القولين قول الجمهور القائلين بكراهة رفع الصوت في الإعلام بموت الميت؛ لأن النداء ورفع الصوت بموت الميت داخل من حيث الصورة في بعض نعي الجاهلية الذي ورد النهي عنه، فإنهم كانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور والأسواق (53).

المطلب الثاني: صور النعي المعاصرة:

هناك العديد من الصور المعاصرة للنعي التي تحتاج إلى نظر هل تدخل في النعي المحرم أو لا؟ وقد تناولتها في المسائل التالية:

المسألة الأولى: إعلان الموت في الصحف والمجلات السيارة وما أشبهها:

إعلان الوفاة في الصحف والمجلات وما أشبهها من وسائل الإعلام العام كالمنتديات والصفحات العامة في شبكة الإنترنت كل ذلك لا يخلو أن يكون إعلاناً مجرداً أو إعلاناً غير مجرد. ولا يخلو أيضاً أن يكون قبل الصلاة على الميت أو بعده.

فإن كان الإعلان قبل الصلاة مجرداً عن نداء ورفع صوت وليس فيه تفجع على الميت ولا إعظام لحال موته ولا تسخط فيه ولا ضجر فإن ذلك جائز، لا سيما إذا كان الميت مما يهم الناس أمره وحاله أو كان له شأن ومكانة في الإسلام أو نفع علم. ولا بأس أن يقترن بالإعلان ثناء يسير مطابق للواقع يرغِّب في الدعاء له والصلاة عليه.

ويدل لهذا نعي النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي في اليوم الذي مات فيه، ففي صحيح مسلم من حديث جابر صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مات عبد لله صالح أصحمة، فقام فأمنا وصلى عليه)) (54). فقوله صلى الله عليه وسلم في نعيه النجاشي: مات عبد لله صالح ثناء عليه وتزكية له حيث وصفه بالصلاح، وفي هذا تنشيط على الدعاء له والصلاة عليه.

ويشهد لهذا أيضاً ما رواه الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وجبت)). ثم مروا بأخرى، فأثنوا عليها شراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وجبت)). فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ما وجبت؟. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هذا أثنيتم عليه خيراً، فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار. أنتم شهداء الله في الأرض)). فأقرهم النبي صلى الله عليه وسلم على الثناء بالخير على الجنازة، فدل على جواز ذكر الميت بما فيه من الخير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير