أما إن كان الإعلان عن الموت بعد الصلاة عليه فإن كان لمجرد الإعلام بالموت فالظاهر أنه من النعي المنهي عنه؛ لأن الصحف وشبهها من الوسائل الإعلامية هي أقرب ما تكون لمجامع الناس ومنتدياتهم في العصر الأول. ويتأكد النهي والتحريم إذا كان الخبر متضمناً لما يثير الأحزان ويهيج على البكاء، أو كان متضمناً الشهادة بالجنة للميت أو ما يفهم منه ذلك ككتابة بعضهم في خبر الوفاة قول الله تعالى: (يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّة ارْجِعِي إِلىَ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُليِ جَنَّتِي) فإن مثل هذا محرم لا يجوز.
أما إن كان الإعلام بالموت بعد الصلاة على الميت لمصلحة معتبرة شرعاً كإبراء ذمة الميت وما أشبه ذلك فإن هذا جائز لا بأس به؛ لما فيه من المصلحة.
قال شيخنا محمد بن صالح العثيمين رحمه الله تعالى في فتوى له:" وأما الإعلان عن موت الميت فإن كان لمصلحة مثل أن يكون الميت واسع المعاملة مع الناس بين أخذ وإعطاء وأعلن موته لعل أحداً يكون له حق عليه فيقضى أو نحو ذلك فلا بأس".
المسألة الثانية: إعلان الموت بالرسائل الهاتفية أو البريد الإلكتروني:
جرى عمل كثير من الناس في هذه الأيام على تبادل الرسائل الهاتفية أو البريد الإلكتروني للإخبار بالموت، والذي يظهر أن مثل هذا إن كان لأجل الصلاة على الميت أو الدعاء له أو تعزية المصاب به ونحو ذلك فهو مستحب؛ لأن ذلك وسيلة لتلك الصالحات، والوسائل لها حكم الغايات، وما لا يتم الصالح إلا به فهو صالح. وكذلك الحكم إن كان ذلك لمصلحة. ويمكن أن يقال: إن إعلان الموت بالرسائل الهاتفية أو البريد الإلكتروني لا يخرج عما سبق من كلام أهل العلم في حكم النعي المجرد.
المسألة الثالثة: إعلان الموت في الخطب المنبرية:
ذكر خبر وفاة عالم من العلماء أو علم من الأعلام في الخطب سواء كانت خطبة الجمعة أو خطبة خاصة للإعلام بموته ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن يكون ذلك لإخبار الناس بموت من يهمهم معرفة خبره، ولم يسبق علم عام بموته، أو كان ذلك لمصلحة راجحة فالذي يظهر لي أن ذلك جائز لا حرج فيه، ولو اقترن به ثناء يسير مطابق للواقع، وسواء كان الإعلان في خطبة الجمعة أو في خطبة خاصة للإعلام بموته.
ويدل لهذا ما رواه البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أخذ الراية زيد فأصيب، ثم أخذها جعفر فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، ثم أخذها خالد بن الوليد عن غير إمرة، ففتح له، وقال: ما يسرهم أنهم عندنا وعيناه تذرفان)) (55).
ويشهد له أيضاً أن أبا بكر رضي الله عنه خطب الناس لما اضطربوا في وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن تيقن موته صلى الله عليه وسلم، فقال في خطبته المشهورة: ((أما بعد، من كان يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت)) (56).
أما دليل جواز الثناء اليسير المطابق للواقع في خبر الوفاة ما رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مات عبد لله صالح أصحمة، فقام فأمنا وصلى عليه)) (57).
ويحسن في مثل هذا المقام إن كان الناس مصابين أن يصبرهم ببيان أن ما أصاب الميت أمر آتٍ على كل أحد، وأنه سبيل لابد منه، وباب لابد من دخوله، وأن يبين وجوب الصبر وفضله وجميل عاقبته وسوء منقلب التسخط والضجر.
القسم الثاني: ألا يكون غرض صحيح من الإخبار بموت الميت أو أن يكون الخطيب قد أكثر من ذكر مآثر الميت وفضائله وأعماله وصفاته أو عظيم الخسارة بموته فإن ذلك لا يجوز، وهو من النعي المحرم، إذ هو نظير ما كان يفعله أهل الجاهلية من بعث المنادي ينادي بموت الميت ويذكر مآثره ومفاخره. وقد تقدم في الكلام عن النعي ما يدل على تحريم هذا القسم، لا سيما وأن كثيراً من الخطباء يذكر في كلامه ما يهيِّج الأحزان ويضعف عن الصبر، ويبعد المصابين بالميت عن السلوة. ولا يشك عالم بموارد الشريعة ومصادرها أن مثل هذا لا يجوز.
المسألة الرابعة: المحاضرات العلمية والمشاركات الإعلامية
¥