الأول: قوله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) وفي قراءة أُبيّ وابن مسعود: وهو أبٌ لَهم. وهي قراءة تفسيرية.
الثاني: أنه صلى الله عليه وسلم حُرِّمت عليه النساء بعد قوله تعالى: (لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ).
قال ابن كثير: فإن الآية إنما دَلَّتْ على أنه لا يتزوج بمن عدا اللواتي في عصمته، وأنه لا يستبدل بهن غيرهن، ولا يدل ذلك على أنه لا يطلق واحدة منهن مِن غير اسْتبدال. فالله أعلم. اهـ.
هذا لو حُمِل على الأخذ الحسيّ الحقيقي، مع أنه ليس في ألأحاديث ما يدلّ صراحة على ذلك.
والواجب حَمْل الأحاديث بعضها على بعض، وهذه طريقة أهل العلم، وهي الجمع بين النصوص.
الوجه السابع: قوله: (بل إن بعض الروايات يفهم منها حتى المصافحة في البيعة! كرواية: فقبضت امرأة منا يدها. ورواية: فمد يده من داخل البيت ومددنا أيدينا من خارجه).
هذا ليس فيه حُجّة.
أما لِمَاذا؟
فالجواب عنه مِن وُجوه:
الأول: أن هذا ليس مِن فعله عليه الصلاة والسلام، بل هو مَروي عن عمر رضي الله عنه. وفيه ضعف.
قال ابن حجر: رواه الطبراني في معجمه والبزار في مسنده والطبري في تفسيره وابن مردويه وأبو يعلي الموصلي في مسنده والنسائي في كتاب الكُنى.
ثم قال الحافظ ابن حجر:
وفي الصحيح ما يَدفع هذه الروايات، عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبايع النساء بالكلام بهذه الآية على أن لا يشركن بالله شيئا. قالت: وما مَسَّت يده يد امرأة قط إلاَّ امرأة يملكها. اهـ.
الثاني: أنه ليس بصريح في المصافحة.
قال ابن حجر: يشعر بأنهن كُنّ يُبايعنه بأيديهن، ويمكن الجواب عن الأول بأن مَدّ الأيدي مِن وراء الحجاب إشارة إلى وُقوع المبايعة وإن لم تَقع مُصافحة. اهـ.
الثالث: كونه خارج البيت، وهُنّ داخل البيت؛ لا يلزم منه وُوقع مصافحة، هذا لو صحّ الخبر!
الرابع: أن التأويل فَرع التصحيح، ولسنا في حاجة إلى ذلك التأويل قبل تصحيح الحديث!
وما في الصحيح أصحّ، وهو ما ردّ به الحافظ ابن حجر تلك الرواية.
فإن تلك الرواية ضعيف، مدارها على إسماعيل بن عبد الرحمن بن عطية، وهو مقبول، أي: عند المتابعة، وإلاَّ فهو ضعيف.
تنبيهات:
لا يصحّ أنه عليه الصلاة والسلام كان يُصافح النساء مِن وراء ثوب أو حائل.
فقد أورد ابن عبد البر قول عائشة رضي الله عنها: لا والله ما مسََّت امرأة قط يده، غير أنه يبايعهن بالكلام.
ثم قال:
هذا يرد ما رُوي عن إبراهيم وقيس بن أبي حازم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يصافح النساء إلاَّ وعلى يَده ثَوب. اهـ.
ولا يصحّ عن أحد من الصحابة أنه كان يُصافح النساء.
قال ابن حجر:
حديث " إن أبا بكر كان يصافح العجائز "، لم أجده أيضا
حديث: " إن عبد الله بن الزبير استأجر عجوزا لتمرضه وكانت تغمز رجليه وتفلي رأسه "، لم أجده أيضا. اهـ.
واستغرب الزيلعي الأثَرَين.
فقول القائل: (وقد ثبت عن أبي بكر الصديق أنه كان يصافح العجائز)
هذا تلبيس، وإلاَّ فأين ثبوت ذلك؟
وأما قوله: (وكذا عن إبراهيم النخعي أنه كان يصافح الشابة بثوبه والعجوز حاسرا، وثبت في مصنف ابن ابي شيبة أن أحد التابعين كانت تغسل المرأة الأجنبية له رأسه. وهذا يستلزم اللمس ولا يرى في ذلك حرجاً)
وهذا تلبيس آخر!
فإن أفعال التابعين ليست حُجة على عباد الله.
وإذا كانت أقوال الصحابة رضي الله عنهم اخْتُلِف في حُجّيتها عند الأصوليين، فكيف بأقوال التابعين؟
مع أن الصحيح أن أقوال الصحابة وأفعالهم حُجّة في غير موضع النصّ، على تفصيل في المسألة.
وإذا كان العلماء مَنعوا المرأة أن تُغسِّل الرجل الأجنبي عنها بعد وفاته، فكيف إذا كان حيا؟!
ولو أنصَف الرجل لَنَقل مِن مُصنف ابن أبي شيبة ما يَرُدّ قوله!
فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف عن الحسن قال: لا يحل لامرأة تغسل رأس رجل ليس بينها وبينه محرم.
وروى عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: لأن يعمد أحدكم إلى مخيط فيَغْرز به في رأسي أحب إليّ من أن تغسل رأسي امرأة ليست مني ذات محرم.
أخيرا:
مما أثبته العِلم التجريبي الحديث تأثير المصافحة بين الجنسين، وأثَرها على كل جِنس.
وهذا ما كنت أشرت إليه في مقال بعنوان: المصافحة بين الجنسين ... أسرار وحِكم وحُكم
وهو هنا:
http://saaid.net/Doat/assuhaim/182.htm
"
فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم حفظه الله
والله تعالى أعلم.
فضيلة الشيخ عبد الرحمن السحيم حفظه الله"
ـ[اسلام سلامة علي جابر]ــــــــ[31 - 05 - 10, 02:28 ص]ـ
جزاك الله خيرًا أخي الحنبلي المصري وحفظ الله الشيخ السحيم ونفع بعلمه
¥