تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[من آفات القراء]

ـ[أشرف منعاز]ــــــــ[15 - 07 - 03, 08:20 م]ـ

إخواني الكرام

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مقالة رائعة بارك الله في كاتبها وقارئها خير الجزاء:

اشتهر عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي صاحب الكتاب العظيم: (الجرح والتعديل) بملازمته لوالده، وكثرة أخذه عنه، وكان يقول: " ربما كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل الخلاء وأقرأ عليه، ويدخل البيت في طلب شيء وأقرا عليه " (سير أعلام النبلاء 13/ 251)

إن القراءة هي إحدى الوسائل المهمة لاكتساب العلوم المختلفة، والاستفادة من منجزات المتقدمين والمتأخرين وخبراتهم. وهي أمر حيوي يصعب الاستغناء عنه لمن يريد التعلم، وحاجة ملحة لا تقل أهميتها عن أهمية الطعام والشراب، ولا يتقدم الأفراد - فضلا عن الأمم والحضارات - بدون القراءة، فبالقراءة تحيا العقول، وتستنير الأفئدة، ويستقيم الفكر.

والقراء المنهجيون هم - في الغالب - النخبة المتميزة، والصفوة المؤثرة في التكوين الفكري والبناء الثقافي والمعرفي للأمة، ولهذا كانت العناية بالقراءة عناية بروح الأمة وقلبها الحي النابض القادر على البناء والعطاء.

والقراءة ملكة وفن لا يجيده كل أحد؛ فكم من القراء الذين يبذلون أوقاتا طويلة في القراءة؛ ومع ذلك فإن حصيلتهم وإفادتهم منها قليل جدا .. !

وسأذكر - مستعينا بالله - بعض الآفات التي قد تعرض لبعض القراء خاصة في بداية سلوكهم لهذا السبيل:

الآفة الأولى: قلة الصبر على القراءة والمطالعة:

وهذه آفة قديمة ازدادت في عصرنا هذا خصوصا مع كثرة الصوارف والمشغلات الأخرى؛ حيث أصبح كثير من القراء لا يقوى على مداومة القراءة، ويفتقد الأناة وطول النفس، ولا يملك الجلد على المطالعة والبحث والنظر في بطون الكتب وكنوز العلم والمعرفة، وحينما يبدأ القارئ بالاطلاع على الكتاب سرعان ما يضعه جانبا وينشغل بأمر آخر.

إن الساحة الفكرية اليوم تعاني من خلل ظاهر في بناء ملكة القراءة، وها أنت ترى كثيرا ممن يدخلون في (زمرة المثقفين!) من أصحاب الشهادات الجامعية، بل حتى أصحاب الشهادات العليا، ومع ذلك تفاجأ بأن كثيرا منهم ربما يعجز عن إتمام كتاب واحد خارج تخصصه .. !

إننا نعاني من أزمة حادة في عزوف كثير من المثقفين - فضلا عن العامة - عن القراءة والبحث، مما أدى إلى اضطراب في التفكير العام، وسطحية مفرطة في كثير من الرؤى، وضحالة عليمة حجبت منافذ البصيرة.

وترويض النفس وتربيتها وقسرها على القراءة من أنجح السبل لبناء تلك الخلة الكريمة، خاصة عند نعومة الأظفار وبداية الطلب. وقد يعجز المرء في البداية أو يصيبه السآمة والملل، ولكنه بطول النفس وسعة الصدر والعزيمة الجادة سوف يكتسب بإذن الله - تعالى - هذه الملكة حتى تصبح ملازمة له لا يقوى على فراقها، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما العلم بالتعلم " السلسلة الصحيحة 1/ 605، وتكوين هذه العادة وغرسها في النفس من أولى ما يجب الاعتناء به لدى القراء والمربين.

ولست أدري كيف نروم - معاشر الدعاة - العزة والتمكين، ونتطلع إلى تغيير مسار التاريخ، وهممنا تتاقصر عن الانكباب على كتب العلم والمعرفة، ونرضى بالقليل من المعلومات العائمة المفككة التي نحصل عليها من هنا وهناك .. ؟!

وانظر إلى تلك المزية الجليلة التي تسنمها أسلافنا في هذا الباب، فهذا هو مثلا الحسن اللؤلؤي يقول: " لقد غبرت لي أربعون عاما ما قمت ولا نمت إلا والكتاب على صدري " (جامع بيان العلم وفضله 2/ 1231)، وحدث ابن القيم فقال: " أعرف من أصابه مرض من صداع وحمى، وكان الكتاب عند رأسه، فإذا وجد إفاقة قرأ فيه، فإذا غلب عليه وضعه " (روضة المحبين ص 70).

الآفة الثانية: ضعف التركيز:

كثير من القراء يقرأ بعينيه فقط، ولا يقرأ بفكره، ولا يستجمع قدراتها العقلية في التفهم والبحث. وربما جال القارئ بعقله يمينا ويسارا، وطافت بخاطره ألوان من الهموم والمشاغل، ثم يفاجأ بأنه قضى وقتا طويلا لم يخرج فيه بمادة علمية تستحق الذكر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير