الشرح: بعد أن نبّه الناظم _ رحمه الله _ على فضل العلم على جهة العموم، نبّه على فضل علم الفرائض على جهة الخصوص، وذلك أن علم الفرائض بالإضافة إلى دخوله في عموم أدلة فضل العلم، قد وردت في فضله بخصوصه أحاديث شاعت وانتشرت عند كل العلماء كما ذكر الناظم، منها حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعلموا الفرائض وعلموها فإنها نصف العلم، وهو ينسى، وهو أول شيء ينزع من أمتي) رواه ابن ماجه والدارقطني، وهو حديث ضعيف (انظر إرواء الغليل 1665)، ولكن يغني عنه دخول علم الفرائض في عموم أدلة فضل العلم، كما يغني عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر) متفق عليه، ففي هذا الحديث حثٌّ على تعلم الفرائض، حيث لا يستطيع الإنسان أن يلحق الفرائض بأهلها إلا إذا علم الفرائض وعلم أهلها وعلم من الأولى بما تبقى، كما يغني عنه قوله صلى الله عليه وسلم: (أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، و أشدهم في أمر الله عمر، و أصدقهم حياء عثمان، و أقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب، وأفرضهم زيد بن ثابت، و أعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، ألا و إن لكل أمة أمينا، و إن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح) رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان وغيرهم من حديث أنس رضي الله عنه وقال الألباني: إسناده صحيح على شرط الشيخين السلسلة الصحيحة 1224، ووجه الشاهد منه أن النبي صلى الله عليه وسلم عدّ كون الإنسان أعلم بالفرائض من غيره منقبة يمدح صاحبها ويثنى عليه.
ومما ورد في فضل تعلم الفرائض، قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (من استخلفت على أهل الوادي؟) قال: (استخلفت عليهم ابن أبزى) قال: (ومن ابن أبزى) قال: (رجل من موالينا) قال عمر: (فاستخلفت عليهم مولى؟) قال: (إنه قارئ لكتاب الله تعالى عالم بالفرائض قاض) قال عمر: (أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين) رواه ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه 179، وموضع الشاهد منه أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعدون العلم بالفرائض منقبة تستدعي تقديم صاحبها على غيره.
10ـ وأنَّ زَيداً خُصَّ لا مَحالَةْ ... بما حَباهُ خاتَمُ الرِّسالةْ
11ـ مِن قولِهِ في فضلِه مُنَبِّها ... ((أَفْرَضُكُمْ زَيدٌ)) وناهيكَ بها
الشرح: ومما شاع بين العلماء أيضا أن زيد بن ثابت رضي الله عنه اختص بمنقبة عظيمة منحها إياه خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم وهي قوله منبهاً على فضله: (وأفرضهم زيد بن ثابت) أي أعلم هذه الأمة بالفرائض زيد رضي الله عنه، وهو جزء من حديث مرّ ذكره في شرح البيت السابق، وقول الناظم: (وناهيك بها) أي وكفى بها منقبة وشرفاً.
12ـ فكان أولى باتباعِ التّابعيّ ... لا سيَّما وقد نحاهُ الشّافعيّ
الشرح: لأجل هذا فإن زيد بن ثابت رضي الله عنه أولى بالاتباع من غيره في المسائل الخلافية في الفرائض بين الصحابة رضي الله عنهم، لاسيما وقد مال الإمام الشافعي إلى ترجيح مذهب زيد في المسائل الفرضية التي اختلف فيها الصحابة، وهذا في الغالب، وإلا فقد خالف الشافعي اختيار زيد في مسائل معدودة، ومن الأئمة جماعة على ما عليه الشافعي من ترجيح مذهب زيد بن ثابت عند الاختلاف.
ومن الأئمة من يرى أن قوله صلى الله عليه وسلم (أفرضهم زيد) فيه شهادة ضمنية لغيره بأنه فرضيٌّ أيضا، وأن الحق يعرف بالدليل لا بالقائل، وقد خالف زيد في بعض المسائل أبا بكر وعمر وقد أمرنا بالاقتداء بهما، وكما أن قراءة أبيّ لا تستدعي ترك قراءة غيره وعلم معاذ بالحلال والحرام لا يعني أن قوله هو المقدم على غيره بلا نظر في الأدلة وعمل بالراجح فكذا في قوله (أفرضهم زيد)، والله أعلم.
13ـ فهاك فيه القولَ عن إيجازِ ... مُبَرَّأً عن وَصْمَةِ الألغازِ
الشرح: فخذ هذا النظم الوجيز المختصر الذي خلا _ على اختصاره _ من التعقيد والغموض، فمتن الرحبية _ بتوفيق الله تعالى لناظمه _ ليس فيه تطويل ممل ولا اختصارٌ مخلّ.
وبهذا يتم شرح المقدمة والحمد لله رب العالمين
ـ[أبو عمر السمرقندي]ــــــــ[18 - 07 - 03, 03:47 ص]ـ
أخي الشيخ الكريم الفاضل ... أبو خالد السلمي ... وفقه الله
جزاكم الله خيراً ..
واصلوا بارك الله فيكم ونفع بكم وزادكم من فضله العظيم.
ـ[أبو العالية]ــــــــ[21 - 07 - 03, 12:34 ص]ـ
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأخ الكريم الشيخ / أبو خالد السلمي وفقه الله ونفع به
جزاك الله خيراً على هذه الفوائد الطيبات.
وأحسن الله إليك، وزدانا وإياكم من فضله وعلمه.
اللهم آمين
فلتكن دعوة للمواصلة، والمشاركة من قبل الإخوة
محبكم
أبو العالية
ـ[القرافي]ــــــــ[26 - 07 - 03, 06:44 م]ـ
شيخنا: أبا خالد نفعنا الله بعلومك والله استفدنا منك وأنا متأثر بك جدا لا أدري لماذا إلا أنها المحبة في الله
أخوك المحب بصدق: القرافي = المقرئ
¥