تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر كلام الرازي الذي ذكرنا في هذا النوع من السحر. قلت: ومن هذا القبيل حيل النصارى على عامتهم بما يرونهم إياه من الأنوار، كقضية قمامة الكنيسة التي لهم ببيت المقدس، وما يحتالون به من إدخال النار خفية إلى الكنيسة، وإشعال ذلك القنديل بصنعة لطيفة تروج على الطغام منهم، وأما الخواص منهم فمعترفون بذلك، ولكن يتأولون أنهم يجمعون شمل أصحابهم على دينهم، فيرون ذلك سائغاً لهم، وفيهم شبه من الجهلة الأغبياء من متعبدي الكرامية الذين يرون جواز وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب، فيدخلون في عداد من قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم: «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار»، وقوله: «حدثوا عني ولا تكذبوا علي، فإنه من يكذب علي يلج النار». ثم ذكرها هنا يعني الرازي حكاية عن بعض الرهبان، وهي أنه سمع صوت طائر حزين الصوت، ضعيف الحركة، فإذا سمعته الطيور ترق له فتذهب في وكره من ثمر الزيتون ليتبلغ به، فعمد هذا الراهب إلى صنعة طائر على شكله وتوصل إلى أن جعله أجوف، فإذا دخلته الريح سمع منه صوت كصوت ذلك الطائر. وانقطع في صومعة ابتناها، وزعم أنها على قبر بعض صالحيهم، وعلق ذلك الطائر في مكان منها، فإذا كان زمان الزيتون فتح باباً من ناحيته فتدخل الريح إلى داخل هذه الصورة فيسمع صوتها كل طائر في شكله أيضاً، فتأتي الطيور فتحمل من الزيتون شيئاً كثيراً فلا ترى النصارى إلا ذلك الزيتون في هذه الصومعة ولا يدرون ما سببه. ففتنهم بذلك وأوهمهم أن هذا من كرامات صاحب ذلك القبر، عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ـ انتهى كلام ابن كثير.

وذكر الرازي في هذه المسألة التي نقلها عنه ابن كثير: أن ذلك الطائر المذكور يسمى البراصل، وأن الذي عمل صورته يسمى أرجعيانوس الموسيقار، وأنه جعل ذلك على هيكل أورشليم العتيق عند تجديده إياه، وأن الذي قام بعمارة ذلك الهيكل أولاً أسطرخس الناسك.

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: وهذا النوع الخامس الذي عده الرازي من أنواع السحر، الذي هو الأعمال العجيبة التي تظهر من تركيب الآلات المركبة على النسب الهندسية. الخ ـ لا ينبغي عده اليوم من أنواع السحر. لأن أسبابه صارت واضحة متعارفة عند الناس، بسبب تقدم العلم المادي. والواضح الذي صار عادياً لا يدخل في حد السحر، وقد كانت أمور كثيرة خفية الأسباب فصارت اليوم ظاهرتها جداً. والله تعالى أعلم.

النوع السادس من أنواع السحر ـ الاستعانة بخواص الأدوية، مثل مثل أن يجعل في طعامه بعض الأدوية المبلدة المزيلة للعقل والدخن المسكرة نحو دماغ الحمار إذا تناوله الإنسان تبلد عقله، وقلت فطنته، قاله الرازي. ثم قال: واعلم أنه لا سبيل إلى إنكار الخواص: فإن أثر المغناطيس مشاهد إلا أن الناس قد أكثروا فيه وخلطوا الصدق بالذكب، والباطل بالحق ـ ا هـ كلام الرازي.

وقال ابن كثير رحمه الله بعد أن ذكر هذا النوع من السحر نقلاً عن الرازي: قلت: يدخل في هذا القبيل كثير ممن يدعي الفقر، ويتحيل على جهلة الناس بهذه الخواص مدعياً أنها أحوال له: من مخالطة النيران: ومسك الحيات إلى غير ذلك من المحاولات ـ انتهى كلام ابن كثير.

النوع السابع من أنواع السحر المذكور ـ تعليق القلب، وهو أن يدعي الساحر أنه قد عرف الاسم الأعظم، وأن الجن يطيعون وينقادون له في أكثر الأحوال: فإذا اتفق أن كان السامع لذلك ضعيف العقل قليل التمييز ـ اعتقد أنه حق: وتعلق قلبه بذلك: حصل في نفسه نوع من الرعب والمخافة: وإذا حصل الخوف ضعفت القوى الحساسة: فحينئذ يتمكن الساحر من أن يفعل ما يشاء. قال الرازي: وإن من جرب الأمور وعرف أحوال أهل العلم علم أن لتعلق القلب أثراً عظيماً في تنفيذ الأعمال وإخفاء الأسرار. وقال ابن كثير بعد أن نقل هذا النوع من السحر عن الرازي: هذا النمط يقال له التنبلة، وإنما يروج على ضعفاء العقول من بني آدم. وفي علم الفراسة ما يرشد إلى معرفة كامل العقل من ناقصه. فإذا كان النَّبيل حاذقاً في علم الفراسة عرف من ينقاد له من الناس من غيره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير