(ومنها) نوع يسمونه الاستخدام للكواكب والجن. وأهل الاستخدمات يزعمون أن للكواكب إدراكات روحانية. فإذا قوبلت الكواكب ببخور خاص ولباس خاص على الذي يباشر البخور، كانت روحانية فلك الكواكب مطيعة له، متى ما أراد شيئاً فعلته له على زعمهم لعنهم الله تعالى. وهذا النوع من سحر الكلدانيين المتقدم. وكذلك ملوك الجان يزعمون أنهم إذا عملوا لهم أشياء خاصة بكل ملك من ملوكهم أطاعوا وفعلوا لهم ما أرادوا. قال: وشروط هذه الأمور مستوعبة في كتبهم. وذكر رحمه الله من علوم الشر أنواعاً كثيرة: كالخط، والأشكال، والموالد، والقرعة، والفأل، وعلم الكتف، والموسيقى، والرعدي، والكهانة، وغير ذلك.
والخط الرملي معروف. والأشكال جمع شكل، ويسمى علمها علم الجداول وعلم الأوفاق،
وهي معروفة وهي من الباطل.
والموالد جمع مولد، وهي أن يدعي من معرفة النجم الذي كان طالعاً عند ولادة الشخص أنه يكون سلطاناً أو عالماً، أو غنياً أو فقيراً، أو طويل العمر أو قصيره، ونحو ذلك.
والقرعة ما يسمونه قرعة الأنبياء، وحاصلها جدول مرسوم في بيوته أسماء الأنبياء وأسماء الطيور. وبعد الجدول تراجم لكل اسم ترجمة خاصة به، ويذكر فيها أمور من المنافع والمضار، يقال للشخص غمض عينيك وضع أصبعك في الجدول. فإذا وضعها على اسم قرئت له ترجمته ليعتقد أنه يكون له ذلك المذكور منها. قال: وقد عدها العلماء من باب الاستفهام بالأزلام.
ومراده بالفأل: الفأل المكتسب. كأن يريد إنسان التزوج أو السفر مثلاً، فيخرج ليسمع ما يفهم منه الإقدام أو الإحجام، ويدخل فيه النظر في المصحف لذلك: ولا يخفى أن ذلك من نوع الاستقسام بالأزلام. أما ما يعرض من غير اكتساب كأن يسمع قائلاً يقول: ما مفلح، فليس من هذا القبيل كما جاءت به الأحاديث الصحيحة.
وعلم الكتف: علم يزعم أهل الشر والضلال أن من علمه يكون إذا نظر في أكتاف الغنم اطلع على أمور من الغيب، وربما زعم المشتغل به أن السلطان يموت في تاريخ كذا، وأنه يطرأ رخص أو غلاء أو موت الأعيان كالعلماء والصالحين، وقد يذكر شأن الكنوز أو الدقائن، ونحو ذلك. والموسيقى معروفه، وكلها من الباطل كما لا يخفى على من له إلمام بالشرع الكريم.
والرعديات: علم يزعم أهله أن الرعد إذا كان في وقت كذا من السنة والشهر فهو علامة على أمور غيبية من جدب وخصب، وكثرة الرواج في الأسواق وقلته، وكثرة الموت وهلاك الماشيه، وانقراض المالك ونحو ذلك. والفرق بين العرافة وللكهانة مع أنهما يشتركان في دعوى الاطلاع على الغيب: أن العرافة مختصة بالأمور الماضية، والكهانة مختصة بالأمور المستقبلة ا هـ منه.
وعلوم الشر كثيرة، وقصدنا بذكر ما ذكرنا منها التنبيه على خستها وقبحها شرعاً، وأن منها ما هو كفر بواح، ومنها ما يؤدي إلى الكفر، وأقل درجاتها التحريم الشديد. وقد دل بعض الأحاديث والآثار على أن العيافة والطرق والطيرة من السحر. وقد قدمنا معنى ذلك في «الأنعام» وعنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنه: «من اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد» رواه أبو داود بإسناد صحيح. وللنسائي من حديث أبي هريرة «من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر، ومن سحر فقد أشرك، ومن تعلق شيئاً وكل إليه».
المسألة الرابعة
اختلف العلماء في السحر هل هو حقيقة أو هو تخييل لا حقيقة له. والتحقيق أن منه ما هو حقيقة كما قدمنا، ومنه ما هو تخييل كما تقدم إيضاحه. وهو مفهوم من أقسام السحر المتقدمة في كلام الرازي وغيره.
المسألة الخامسة
اختلف العلماء فيمن يتعلم السحر ويستعمله فقال بعضهم: إنه يكفر بذلك، وهو قول جمهور العلماء منهم مالك وأبو حنيفة وأصحاب أحمد وغيرهم. وعن أحمد ما يقتضى عدم كفره. وعن الشافعي أنه إذا تعلم السحر قيل له صف لنا سحرك. فإن وصف ما يستوجب الكفر مثل سحر أهل بابل من التقرب للكواكب، وأنها تفعل ما يطلب منها فهو كافر، وإن كان لا يوجب الكفر فإن اعتقد إباحته فهو كافر، وإلا فلا. وأقوال أهل العلم في ذلك كثيرة معروفة.
¥