تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: التحقيق في هذه المسألة هو التفصيل. فإن كان السحر مما يعظم فيه غير الله كالكواكب والجن وغير ذلك مما يؤدي إلى الكفر فهو كفر بلا نزاع، ومن هذا النوع سحر هاروت وماروت المذكور في سورة «البقرة» فإنه كفر بلا نزاع. كما دل عليه قوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَـ?نُ وَلَـ?كِنَّ ?لشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ?لنَّاسَ ?لسِّحْرَ}،

وقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى? يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}، وقوله: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ?شْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى ?لاٌّخِرَةِ مِنْ خَلَـ?قٍ}، وقوله تعالى: {وَلاَ يُفْلِحُ ?لسَّـ?حِرُ حَيْثُ أَتَى?} كما تقدم إيضاحه. وإن كان السحر لا يقتضي الكفر كالاستعانة بخواص بعض الأشياء من دهانات وغيرها فهو حرام حرمة شديدة ولكنه لا يبلغ بصاحبه الكفر. هذا هو التحقيق إن شاء الله تعالى في هذه المسألة التي اختلف فيها العلماء.

المسألة السادسة

اعلم أن العلماء اختلفوا في الساحر هل يقتل بمجرد فعله للسحر واستعماله له أولاً؟ قال ابن كثير في تفسيره: قال ابن هبيرة: وهل يقتل بمجرد فعله واستعماله له؟ فقال مالك وأحمد: نعم. وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا. فأما إن قتل بسحره إنساناً فإنه يقتل عند مالك والشافعي وأحمد. وقال أبو حنيفة: لا يقتل حتى يتكرر منه ذلك. أو يقر بذلك في حق شخص معين. وإذا قتل فإنه يقتل حداً عندهم إلا الشافعي فإنه قال: يقتل والحالة هذه قصاصاً.

وهل إذا تاب الساحر تقبل توبته؟ فقال مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنهم: لا تقبل. وقال الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى: تقبل التوبة.

وأما ساحر أهل الكتاب فعند أبي حنيفة أنه يقتل كما يقتل الساحر المسلم. وقال مالك والشافعي وأحمد: لا يقتل. يعني لقصة لبيد بن الأعصم.

واختلفوا في المسلمة الساحرة. فعند أبي حنيفة أنها لا تقتل، ولكن تحبس. وقال الثلاثة: حكمها حكم الرجل. وقال أبو بكر الخلال: أخبرنا أبو بكر المروزي قال: قرأ على أبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل عمر بن هارون أخبرنا يونس عن الزهري قال: يقتل ساحر المسلمين ولا يقتل ساحر المشركين. لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سحرته امرأة من اليهود فلم يقتلها. وقد نقل القرطبي عن مالك رحمه الله أنه قال في الذمي: يقتل إن قتل بسحره. وحكى ابن خويز منداد عن مالك روايتين في الذمي إذا سحر: إحداهما ـ أنه يستتاب فإن أسلم وإلا قتل: والثانية ـ أنه يقتل وإن أسلم.

وأما الساحر المسلم فإن تضمن سحره كفراً كفر عند الأئمة الأربعة وغيرهم، لقوله تعالى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى? يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} لكن قال مالك: إذا ظهر عليه لم تقبل توبته. لأنه كالزنديق فإن تاب قبل أن يظهر عليه وجاء تائباً قبلناه. فإن قتل سحره قتل. قال الشافعي فإن قال لم أتعمد القتل فهو مخطىء تجب عليه الدية ـ انتهى كلام ابن كثير رحمه الله تعالى.

وقال النووي في شرح مسلم: وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن تضمن ما يقتضي الكفر كفر وإلا فلا. وإذا لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عزر واستتيب منه ولا يقتل عندنا، فإن تاب قبلت توبته. وقال مالك: الساحر كافر يقتل بالسحر ولا يستتاب، ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله: والمسألة مبنية على الخلاف في قبول توبة الزنديق، لأن الساحر عنده كافر كما ذكرنا، وعندنا ليس بكافر، وعندنا تقبل توبة المنافق والزنديق. وقال القاضي عياض: وبقول مالك قال أحمد بن حنبل، وهو مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين. قال أصحابنا: فإذا قتل الساحر بسحره إنساناً واعترف أنه مات بسحره وأنه يقتل غالباً لزمه القصاص. وإن قال مات به ولكنه قد يقتل وقد لا يقتل فلا قصاص، وتجب الدية في ماله لا على عاقلته. لأن العاقلة لا تحمل ما ثبت باعتراف الجاني. وقال أصحابنا: ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة، وإنما يتصور باعتراف الساحر، والله أعلم. انتهى كلام النووي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير