تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال ابن حجر في فتح الباري في الكلام على قول البخاري رحمه الله: (باب السحر) وقول الله تعالى: {وَلَـ?كِنَّ ?لشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ?لنَّاسَ ?لسِّحْرَ}: وقد استدل بهذه الآية على أن السحر كفر ومتعلمه كافر، وهو واضح في بعض أنواعه التي قدمتها، وهو التعبد للشياطين أو الكواكب. وأما النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة فلا يكفر من تعلمه أصلاً.

قال النووي. عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عده النَّبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفراً. ومنه ما لا يكون كفراً، بل معصية كبيرة. فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر وإلا فلا. وأما تعلمه وتعليمه فحرام ـ إلى آخر كلام النووي الذي ذكرناه عنه آنفاً. ثم إن ابن حجة لما نقله عنه قال: وفي المسألة اختلاف كبير وتفاصيل ليس هذا موضع بسطها ا هـ.

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: التحقيق في هذه المسألة إن شاء الله تعالى أن السحر نوعان كما تقدم؟ منه ما هو كفر، ومنه ما لا يبلغ بصاحبه الكفر، فإن كان الساحر استعمل السحر الذي هو كفر فلا شك في أنه يقتل كفراً؟ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه».

وأظهر القولين عندي في استتابته أنه يستتاب، فإن تاب قبلت توبته. وقد بينت في كتابي (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب) في سورة «آل عمران» أن أظهر القولين دليلاً أن الزنديق تقبل توبته؟ لأن الله لم يأمر نبيه ولا أمته صلى الله عليه وسلم بالتنقيب عن قلوب الناس؟ بل بالاكتفاء بالظاهر. وما يخفونه في سرائرهم أمره إلى الله تعالى. خلافاً للإمام مالك رحمه الله وأصحابه القائلين بأن الساحر له حكم الزنديق. لأنه مستمر بالكفر والزنديق لا تقبل توبته عنده إلا إذا جاء تائباً قبل الاطلاع عليه. وأظهر القولين عندي: أن المرأة الساحرة حكمها حكم الرجل الساحر وأنها إن كفرت بسحرها قتلت كما يقتل الرجل. لأن لفظة «من» في قوله: «من بدل دينه فاقتلوه» تشمل الأنثى على أظهر القولين وأصحهما إن شاء الله تعالى. ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ مِنَ ?لصَّـ?لِحَـ?تَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى?}. فأدخل الأنثى في لفظة «من»، وقوله تعالى: {ي?نِسَآءَ ?لنَّبِىِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ}، وقوله: {وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ للَّهِ}، إلى غير ذلك من الآيات. وإلى هذه المسألة التي هي شمول لفظة «من» في الكتاب والسنة للأنثى أشار في مراقي السعود بقوله:

وما شمول من للأنثى جنف وفي شبيه المسلمين اختلفوا

وأما إن كان الساحر عمل السحر الذي لا يبلغ بصاحبه الكفر، فهذا هو محل الخلاف بين العلماء. فالذين قالوا يقتل ولو لم يكفر بسحره قال أكثرهم: يقتل حداً ولو قتل إنساناً بسحره، وانفرد الشافعي في هذه الصورة بأنه يقتل قصاصاً لا حداً.

وهذه حجج الفريقين ومناقشتها:

أما الذين قالوا مطلقاً إذا عمل بسحره ولو لم يقتل به أحداً فاستولوا بآثار عن الصحابة رضي الله عنهم، وبحديث جاء بذلك إلا أنه لم يصح. فمن الآثار الدالة على ذلك ما رواه البخاري في صحيحه في كتاب (الجهاد في باب الجزية): حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان قال: سمعت عمراً قال: كنت جالساً مع جابر بن زيد وعمرو بن أوس فحدثهما بجالة سنة سبعين عام حج مصعب بن الزبير بأهل البصرة عند درج زمزم قال: كنت كاتباً لجزء بن معاوية عم الأحنف، فأتانا كتاب عمر بن الخطاب قبل موته بسنة: اقتلوا كل ساحر،

وفرقوا بين كل ذي محرم من المجوس قال: فقتلنا في يوم واحد ثلاث سواحر وفرقنا بين المحارم منهم. ورواه أيضاً أحمد وأبو داود. واعلم أن لفظة «اقتلو كل ساحر» الخ في هذا الأثر ساقطة في بعض روايات البخاري، ثابتة في بعضها، وهي ثابتة في رواية مسدد وأبي يعلى. قاله في الفتح. ومن الآثار الدالة على ذلك أيضاً ما رواه مالك في الموطأ عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنه بلغه أن حفصة زوج النَّبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها، وقد كانت دبرتها فأمرت بها فقتلت. قال مالك: الساحر الذي يعمل السحر ولم يعمل ذلك له غيره هو مثل الذي قال الله تبارك وتعالى في كتابه: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ?شْتَرَاهُ مَا لَهُ فِى ?لاٌّخِرَةِ مِنْ خَلَـ?قٍ} فأرى أن يقتل ذلك إذا عمل ذلك من نفسه ـ انتهى من الموطأ. ونحوه أخرجه عبد الرزاق.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير