تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

اعلم أن الناس اختلفوا في تعلم السحر من غير عمل به. هل يجوز أو لا؟ والتحقيق وهو الذي عليه الجمهور: هو أنه لا يجوز، ومن أصرح الأدلة في ذلك تصريحه تعالى بأنه يضر ولا ينفع ـ في قوله: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} وإذا أثبت الله أن السحر ضار ونفى أنه نافع فكيف يجوز تعلم ما هو ضرر محض لا نفع فيه?؟

وجزم الفخر الرازي في تفسيره في سورة «البقرة» بأنه جائز بل واجب قال ما نصه:

(المسألة الخامسة) في أن العلم بالسحر غير قبيح ولا محظور، اتفق المحققون على ذلك لأن العلم لذاته شريف، وأيضاً لعموم قوله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِى ?لَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ?لَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}، ولأن السحر لو لم يكن يعلم لما أمكن الفرق بينه وبين المعجزة، والعلم بكون المعجز معجزاً واجب، وما يتوقف الواجب عليه فهو واجب، فهذا يقتضي أن يكون تحصيل العلم بالسحر واجباً، وما يكون واجباً كيف يكون حراماً وقبيحاً. انتهى منه بلفظه. ولا يخفى سقوط هذا الكلام وعدم صحته. وقد تعقبه ابن كثير رحمه الله في تفسيره بعد أن نقله عنه بلفظه الذي ذكرنا بما نصه: وهذا الكلام فيه نظر من وجوه: أحدها ـ قوله: «العلم بالسحر ليس بقبيح» إن عنى به ليس بقبيح عقلاً فمخالفوه من المعتزلة يمعنون هذا، وإن عنى أنه ليس بقبيح شرعاً ففي هذه الآية الكريمة يعني قوله تعالى {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} تبشيع لعلم السحر. وفي السنن «من أتى عرافاً أو كاهناً فقد كفر بما أنزل على محمد»، وفي السنن «من عقد عقدة ونفث فيها فقد سحر» وقوله «ولا محظور، اتفق المحققون على ذلك» كيف لا يكون محظوراً مع ما ذكرنا من الآية والحديث، واتفاق المحققين يقتضي أن يكون قد نص على هذه المسألة أئمة العلماء أو أكثرهم. وأين نصوصهم على ذلك?!

ثم إدخاله علم السحر في عموم قوله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ?لَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ?لَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} فيه نظر. لأن هذه الآية إنما دلت على مدح العالمين العلم الشرعي، ولم قلت إن هذا منه?! ثم ترقيه إلى وجوب تعلمه بأنه لا يحصل العلم بالمعجز إلا به ضعيف بل فاسد.

لأن أعظم معجزات رسولنا عليه الصلاة والسلام هي القرآن العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

ثم إن العلم بأنه معجز لا يتوقف على علم السحر أصلاً. ثم من المعلوم بالضرورة أن الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين وعامتهم كانوا يعلمون المعجز، ويفرقون بينه وبين غيره، ولم يكونوا يعلمون السحر ولا تعلموه ولا علموه، والله أعلم. انتهى.

ولا يخفى أن كلام ابن كثير هذا صواب، وأن رده على الرازي واقع موقعه، وأن تعلم السحر لا ينبغي أن يختلف في منعه. لقوله جل وعلا: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ}. وقول ابن كثير في كلامه المذكور: وفي الصحيح «من أتى عرافاً أو كاهناً .. الخ» ـ إن كان يعني أن الحديث بذلك صحيح فلا مانع، وإن كان يعني أنه في الصحيحين أو أحدهما فليس كذلك. وبذلك كله تعلم أن قول ابن حجر في (فتح الباري). وقد أجاز بعض العلماء تعلم السحر لأمرين: إما لتمييز ما فيه كفر من غيره. وإما لإزالته عمن وقع فيه.

فأما الأول: فلا محذور فيه إلا من جهة الاعتقاد، فإذا سلم الاعتقاد فمعرفة الشيء بمجرده لا تستلزم منعاً. كمن يعرف كيفية عبادة أهل الأوثان للأوثان. لأن كيفية ما يعلمه الساحر إنما هي حكاية قول أو فعل، بخلاف تعاطيه والعمل به.

وأما الثاني ـ فإن كان لا يتم كما زعم بعضهم إلا بنوع من أنواع الكفر أو الفسق ـ فلا يحل أصلاً، وإلا جاز للمعنى المذكور ا هـ خلاف التحقيق، إذ ليس لأحد أن يبيح ما صرح الله بأنه يضر ولا ينفع، مع أن تعلمه قد يكون ذريعة العمل به، والذريعة إلى الحرام يجب سدها كما قدمناه. قال في المراقي: سد الذرائع إلى المحرم حتم كفتحها إلى المنحتم

هذا هو الظاهر لنا. والعلم عند الله تعالى.

ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[04 - 10 - 03, 06:29 م]ـ

المسألة الثامنة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير