المقامةالحديثية في منهج المتقدّمين
ـ[ابن عدي]ــــــــ[06 - 06 - 02, 11:01 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
نقلاً عن الأخ، والمقال مرفق على ملف مضغوط
المقامة الحديثيّة
لمّا رأيتُ كثيرًا من المستشعرين للسنّة، والمتسمّين بالحديث (والمشدّد الميم دون التّاء)، ناكصينَ عن سُنَّةِ من سلفَ إلى المهيَع الحديث، ورأيتُهم استناموا إلى السَّلاسِل والتَّخاريج، وبخلوا على المطوّلات بالتّعريج، فرأينا مقالات لهم كالتّهريج؛
- فهذا يقول: "ما هكذا تُعلُّ الأحاديث يا ابن المديني"، فأشهدكم أنّ دينه في الحديث غير ديني.
- وذاك يقول: "عجبًا للبخاريِّ كيف أنكر حديث كذا؟!! "، فليت القائل تأمّل قبل ما هذى.
- وثالثٌ ينادِي ويفاخر "كم ترك الأوّل للآخر"، وجهِلَ أنّ المعوّل على الأوّل، والآخِرُ عالةٌ عليه ولو تقوّل.
أولئك قوم أنسوا إلى النزهة والتّقريب، واستبدلوا الإرخاء بالتقريب، ووجدوا في مراجعة الأصول تعبًا، وفي مخالفة المألوف حرْبًا وحَرَبًا، وضاقت فهومهم عن التحقيق، واتّسعت ذممهم للتّلفيق.
فاتّبعوا ما خُطَّ لهم من القواعد، ورضوا بأن يكونوا مع القواعد.
وإذا كلّمته قال: لا حجّة عندنا بالرِّجال، ولم يُغلق قطُّ للاجتهاد مجال، وليس في العلم مُحال.
قلت باذلاً له المِقة: فما دليلك على ما تذهب إليه في زيادة الثِّقة؟ قال قاله الألباني، الفرد الّذي ماله ثاني.
فإن وجدتَ من فاقه رتبه، وعلا كعبُه في العلم كعبَه، قال وقوله النّكبة: قرأتُه في النُّخبة، قلت فهلاّ راجعت النُّكَت، ولم تكن كالّذي قرأ أوَّلَ الماعُون ثمّ سكت؟
هذه مسألة من مسائل، ودليلٌ تتبعه دلائل، والقوم قد زاغوا عن سنّة الأوائل، في دقيق الأمور قبل الجلائل.
رجعت إلى صاحبي فناديته وهو قريب، وأسمعته لو كان يجيب:
إنّ أمارة صحّة دعواك، وشرط التّسليم بمدّعاك: أن تطّرد أصولُك، ولا تختلف نقولُك، فهل أنت معطيَّ هذه الخصلة، وموافقي عليها في الجملة؟
قال: نعم ونعمة عين، فمتى اضطربت قواعدي وأين؟
قلت: على رسلِك، فقد استعجلتَ أجَلَك بإجْلِك، فأخبرني عن أصول ما ترجع إليه عند تخريج الحديث؟
فبادرني الجواب لا يريث:
أبحث في رجاله وإمكان اتّصاله، فإن كان الراوي ثقة أو صدوقًا، يرويه عمّن يستطيع له إدراكًا ولحوقًا، صحّحته وإن لم أكن مسبوقًا، ولم يردّني أن أجد الإجماع على ضعفه مسُوقًا.
ثمّ زاد جذلان طرِبا، وقد بلغ السيل منّي الزُّبى:
البيّنة على المدّعي، وبيّنتي في كلّ أمري معي، وإن نقلتَ علّة الحديث عن أحد، فاسأله البيّنة على ما وجد.
أمّا الدّعاوى المرسَلة، والتعليلات المجملة، بأنّ هذا يشبه حديث فلان، ولعلّ فلانًا غلط فيه ولان، وأنّ الثّقات يروونه على خلافه، ولم يروِه أهل بلده ومخلافه، فكلام سخيف وتافِه، يغني عرضه عن نقضه وإتلافِه.
وقد ثبتت ثقة الراوي بيقين، فلا تزول إلاّ بيقين.
قاطعته وما كان لي السكوت، وكدت أبخع نفسي وأموت:
مهلاً هداك الله، وخلّص من أمثالك أولِياه:
لا يعيب الدّليل أنّك لم تفهم الدّلالة، وذو الفم المريض يعاف من الماء زُلاله.
عِبت الدّعوى وعليها اعتمادك، وأنكرت أرضًا فيها ضُرِبت أوتادك.
- أنّى لك معرفة الثِّفة من الرّجال؟
- وكيف تثبت ما تشترطه من إمكان سماع واتّصال؟
أليس حول هذين الركنين طوافُك، وعندهما في التخريج رحلتك وإيلافك؟!
فأبِن لي أيها الفارس الطعّان، واشرح وأنت على النقّاد المنتقدُ الطّعّان:
كيف استفدت ثقة الراوي؟ ومن أين حصلت لك معرفةُ الحافظ من الكذّاب الغاوي؟
هل في أصول شيوخِك تتبّعُ أحاديثِهِم؟ والفحص عن هناتهم وأنابيثهم؟
هل حصّلت من الصّناعة، أم هل اشتغلتَ ولو ساعة، بما يعينك على الحكم من استقراء المرويّات، وعرض أحاديث الرّاوي على الثِّقات؟
أنّى، وبُعدًا، وهيهات، وإنّما يعرف حديث الرّاوي بالمخالفة والزيادات، وأنتم تصحّحون ذلك، ولا ترون معنى للمخالفة هنالك.
فأجب الآن عن السؤال، واختم بذلك المقال؟
فسكت ووجم، واستبدل دعاوى البليغ، بطمطمة العجم.
قلت: جوابي عنك قبل جوابِك، ولسان حالك إن أكدى لسان خطابِك: أنّك قلّدتَهُم في الحكم على الرّجل، واكتفيت بما قالوا وجاوزت على عجل.
¥