تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

مستدلاً بأنها لا تجوز في حقه صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى عن الكفار منكراً عليهم. {إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} ـ ساقط. لأن الروايات الصحيحة الثابتة لا يمكن ردها بمثل هذه الدعاوى. وسترى في آخر بحث هذه المسألة إن شاء الله تعالى إيضاح وجه ذلك. وطرف لا خلاف في أن تأثير السحر لا يمكن أن يبلغه. كإحياء الموتى، وفلق البحر ونحو ذلك.

قال القرطبي في تفسيره: أجمع المسلمون على أنه ليس في السحر ما يفعل الله عنده إنزال الجراد والقمل والضفادع، وفلق البحر، وقلب العصا، وإحياء الموتى، وإنطاق العجماء، وأمثال ذلك من عظيم آيات الرسل عليهم الصلاة والسلام. فهذا ونحوه مما يجب القطع بأنه لا يكون لا يفعله الله عند إرادة الساحر. قال القاضي أبو بكر بن الطيب: وإنما منعنا ذلك بالإجماع ولولاه لأجزناه ـ انتهى كلام القرطبي.

وأما الواسطة فهي محل خلاف بين العلماء، وهي هل يجوز أن ينقلب بالسحر الإنسان حماراً مثلاً، والحمار إنساناً؟ وهل يصح أن يطير الساحر في الهواء، وأن يستدق حتى يدخل من كوة ضيقة. وينتصب على رأس قصبة، ويجري على خيط مستدق، ويمشي على الماء، ويركب الكلب ونحو ذلك. فبعض الناس يجيز هذا. وجزم بجوازه الفخر الرازي في تفسيره، وكذلك صاحب رشد الغافل وغيرهما. وبعضهم يمنع مثل هذا.

قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أما بالنسبة إلى أن الله قادر على أن يفعل جميع ذلك، وأنه يسبب ما شاء من المسببات على ما شاء من الأسباب وإن لم تكن هناك مناسبة عقلية بين السبب والمسبب كما قدمناه مستوفى في سورة «مريم» فلا مانع من ذلك، والله جل وعلا يقول {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ}. وأما بالنسبة إلى ثبوت وقوع مثل ذلك بالفعل فلم يقم عليه دليل مقنع. لأن غالب ما يستدل عليه به قائله حكايات لم تثبت عن عدول، ويجوز أن يكون ما وقع منها من جنس الشعوذة والأخذ بالعيون، لا قلب الحقيقة مثلاً إلى حقيقة أخرى. وهذا هو الأظهر عندي، والله تعالى أعلم.

تنبيه

اعلم أن ما وقع من تأثير السحر في رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستلزم نقصاً ولا محالاً شرعياً حتى ترد بذلك الروايات الصحيحة. لأنه من نوع الأعراض البشرية، كالأمراض المؤثرة في الأجسام، ولم يؤثر البتة فيما يتعلق بالتبليغ. واستدلال من منع ذلك زاعماً أنه محال في حقه صلى الله عليه وسلم بآية {إِذْ يَقُولُ ?لظَّـ?لِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا} ـ مردود كما سنوضحه إن شاء الله في آخر هذا البحث.

قال ابن حجر في الفتح: قال المازري: أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث، وزعموا أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها. قالوا: وكل ما أدى إلى ذلك فهو باطل. وزعموا أن تجويز هذا يعدم الثقة بما شرعوه من الشرائع، إذ يحتمل على هذا أن يخيل إليه أنه يرى جبريل وليس هو ثم، وأنه يوحى إليه بشيء ولم يوح إليه شيء. قال المازري: هذا كله مردود. لأن الدليل قد قام على صدق النَّبي صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن الله تعالى، وعلى عصمته في التبليغ. والمعجزات شاهدات بتصديقه. فتجويز ما قام الدليل على خلافه باطل. وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث لأجلها، ولا كانت الرسالة من أجلها، فهو في ذلك عرضة لما يعتري البشر كالأمراض. فغير بعيد أن يخيل الله في أمر من أمور الدنيا ما لا حقيقة له مع عصمته عن مثل ذلك في أمور الدين. قال: وقد قال بعض الناس: إن المراد بالحديث: أنه كان صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه وطىء زوجاته ولم يكن وطئهن وهذا كثيراً ما يقع تخيله للإنسان في المنام. فلا يبعد أن يخيل إليه في اليقظة.

قلت: وهذا قد ورد صريحاً في رواية ابن عيينة في الباب الذي يلي هذا، ولفظه: «حتى كان يرى أنه يأتي النساء ولا يأتيهن» وفي رواية الحميدي «أنه يأتي أهله ولا يأتيهم» قال الداودي: «يرى» بضم أوله أي يظن. وقال ابن التين: ضبطت «يرى» بفتح أوله. قلت: وهو من الرأي لا من الرؤية فيرجع إلى معنى الظن. وفي مرسل يحيى بن يعمر عند عبد الرزاق: سحر النَّبي صلى الله عليه وسلم عن عائشة، حتى أنكر بصره. وعنده في مرسل سعيد بن المسيب: حتى كاد ينكر بصره. قال عياض فظهر بهذا أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه، لا على تمييزه ومعتقده. قلت: ووقع في مرسل عبد الرحمن بن كعب عند

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير