3 - عن عطاء بن يسار: (أن معاوية باع سقاية - وهي الوعاء - من ذهب أو ورق بأكثر من وزنها فقال أبو الدرداء: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذا إلا مثلا بمثل) [ن 4572، وصححه الألباني] زاد في رواية الموطأ:" فقال له معاوية ما أرى بمثل هذا بأسا، فقال أبو الدرداء من يعذرني من معاوية أنا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويخبرني عن رأيه لا أساكنك بأرض أنت بها، ثم قدم أبو الدرداء على عمر بن الخطاب فذكر ذلك له، فكتب عمر بن الخطاب إلى معاوية أن لا تبيع ذلك إلا مثلا بمثل وزنا بوزن " [ك 1327]
وأجيب عنه بما يلي:
أولا: أن صناعة الآنية من الذهب والفضة محرم، لحرمة استعمال آنية الذهب والفضة، فإذا كانت الصنعة محرمة حرم بيعه، فجواز بيع المصوغ من الذهب والفضة بجنسه مع التفاضل أو النساء مقيد بكون الصياغة مباحة، فإن الصياغة إذا كانت مباحة خرج المصوغ حينئذ عن الثمنية، قال ابن القيم:" وأما ربا الفضل فأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة كالعرايا، فإن ما حرم سدا للذريعة أخف مما حرم تحريم المقاصد، وعلى هذا فالمصوغ والحلية إن كانت صياغته محرمة كالآنية حرم بيعه بجنسه وغير جنسه، وبيع هذا هو الذي أنكره عبادة على معاوية، فإنه يتضمن مقابلة الصياغة المحرمة بالأثمان، وهذا لا يجوز كآلات الملاهي. وأما إن كانت الصياغة مباحة - كخاتم الفضة وحلية النساء وما أبيح من حلية السلاح وغيرها - فالعاقل لا يبيع هذه بوزنها من جنسها فإنه سفه وإضاعة للصنعة " [إعلام الموقعين 2/ 159]
ثانيا: أن علة الثمنية لا زالت قائمة في تلك الأواني، فإنه يشترى بها ويباع، وإذا كان كذلك فإنه يجري فيها الربا بنوعيه، بخلاف الحلي المصوغة فإنها خرجت عن الثمنية فصارت كالعروض.
4 - ما رواه مجاهد قال:" كنت مع ابن عمر فجاء صائغ فقال له يا أبا عبد الرحمن إني أصوغ الذهب ثم أبيع شيئا من ذلك بأكثر من وزنه على قدر عمل يدي، فنهاه ابن عمر عن ذلك، فجعل الصائغ يرد عليه المسألة وابن عمر ينهاه حتى انتهى إلى باب المسجد إلى دابة يركبها، فقال ابن عمر: الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم لا فضل بينهما هذا عهد نبينا صلى الله عليه وسلم إلينا وعهدنا إليكم " [هق 5/ 279، 292، ك 1325، وفيه حميد بن قيس المكي: ليس به بأس، وقال في كتاب ما صح من آثار الصحابة في الفقه:" صحيح " 2/ 917]
وأجيب بأن ظاهر الأثر أنه كان يصوغه إلى دنانير، وهذه الصنعة غير مراعاة إجماعا للمصلحة العامة المقصودة منها، ولا يعقل أن يأمره بإهمال صنعته، فإن فيه إضاعة للصنعة، وهو سفه.
5 - أن الذهب المستعمل أو المصنع شبيه بالتمر الرديء، ومع ذلك فالتمر الرديء لا يجوز بيعه بالتمر الجيد إلا متماثلا.
وأجيب عنه بأن بينهما فرقا، فإن الرداءة في التمر صفة خلقية - أي من خلقته - وليست من صنع الآدمي، وأما هذه الصنعة فإنها صنعة آدمي، ويحتاج إلى أن يأخذ عليها أجرا، ثم إن العلة في تحريم ربا الفضل والنسيئة في الذهب والفضة كونهما أثمانا، والحلي المصنع ليس بثمني، فيشبه الجواهر ونحوها.
القول الثاني: وهو قول شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم أنه يجوز التفاضل والنسيئة بين المصوغ وغير المصوغ، واستدلوا بما يلي:
1 - أن الذهب والفضة قد خرجا عن الثمنية بالصنعة، فهما من جنس الثياب أو عروض التجارة، ولذلك لا يشترى بهما ولا يباع إلا مع أهله المختصين به الذين يعيدونه إلى أصله.
2 - أن تاجر الحلي لا يمكنه أن يبيعه بذهب غير مصنع مع التماثل، فإنه حينئذ يذهب أجرة صنعته، وحينئذ فيحتاج المشتري إلى أن يأتيه بدراهم وفي هذا مشقة، وربا الفضل يباح عند الحاجة كما أجازته الشريعة في العرايا، والحاجة هنا ظاهرة، قال ابن القيم:" يوضحه أن تحريم ربا الفضل إنما كان سدا للذريعة ... وما حرم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم، وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال حرم لسد ذريعة التشبيه بالنساء الملعون فاعله، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة، وكذلك ينبغي أن يباح بيع الحلية المصوغة صياغة مباحة بأكثر من
¥