يا خيبة من اتبعك فإنه معرض للزندقة والانحلال، لا سيما إذا كان قليل العلم والدين باطولياً شهوانياً، لكنه ينفعك ويجاهد عندك بيده ولسانه وفي الباطن عدو لك بحاله وقلبه، فهل معظم أتباعك إلا قعيد مربوط خفيف العقل؟ أو عامي كذاب بليد الذهن؟ أو غريب واجم قوي المكر؟ أو ناشف صالح عديم الفهم، فإن لم تصدقني ففتشهم وزنهم بالعدل!
يا مسلم! أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك، إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار! إلى كم تصادقها وتزدري الأبرار! إلى كم تعظمها وتصغر العباد! إلى متى تخاللها وتمقت الزهاد! إلى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح - والله - بها أحاديث الصحيحين يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك. بل في كل وقت تغير عليها بالتضعيف والإهدار، أو بالتأويل والإنكار!
أما آن لك أن ترعوي! أما حان لك أن تتوب وتنيب! أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل!
بلى -والله- ما أذكر أنك تذكر الموت بل تزدري بمن يذكر الموت، فما أظنك تقبل على قولي ولا تصغي إلى وعظي، بل لك همة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات، وتقطع لي أذناب الكلام، ولا تزال تنتصر حتى أقول: ألبتة سكت.
فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشفوق المحب الواد فكيف حالك عند أعدائك! وأعداؤك -والله- فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء، كما أن أولياءك فيهم فجرة وكذبة وجهلة وبطلة وعور وبقر، قد رضيت منك بأن تسبني علانية وتنتفع بمقالتي سراً، فرحم الله امرءا أهدى إلى عيوبي، فإني كثير العيوب غزير الذنوب، الويل لي إن أنا لا أتوب، ووافضيحتي من علام الغيوب، ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين".
=======================================
وهي كما ترى فيها ما لايصح عن شيخ الإسلام الذي كان الذهبي خبيراً به ككثرة الكلام في اليونسية (لعله ذكرهم في ثلاثة مواضع من مجموع مؤلفاته الثي بلغت أكثر من ثلاثة آلاف كراس!) وأما بدعة الخميس والحبوب فهاتين لاتكادان توجدان في كلام شيخ الإسلام، وكذلك بدع الكلام التي يكفر المتكلمون والنظار من لم ينظر فيها طالما بين بطلانها ونبه على ضلالها شيخ الإسلام ابن تيمية فضلاً عن أن يقول بها، وكذلك تضعيف أحاديث الصحيحين أو شيء فيهما فهذا بريء منه شيخ الإسلام، وثناء الإمام الذهبي عليه نفسه قبيل وفاته وبعدها جاء بخلاف هذا في مواطن عدة لعله ينقل شيء منها.
وفي هذا غنية تبين أن الرسالة لايمكن أن تكون موجهة لشيخ الإسلام ابن تيمية بحال.
=======================================
بيان بطلان نسبة هذه الرسالة إلى الذهبي بشيء من التفصيل:
===================================
أولاً: تكلم في نسبتها إلى الذهبي جماعة من أهل العلم والفضل، منهم الشيخ بكر أبو زيد، والشيخ سليم الهلالي في كفاية الحفظة في شرح الموقظة، ولعلي بن عبدالعزيز الشبل تحقيق للمخطوطة طبعتها دار الوطن أثبت بطلان نسبتها للذهبي فيها، وقد أشار إلى بطلان نسبتها مشهور حسن سلمان في كتابه: كتب حذر منها العلماء، وكذلك زكريا بن علي في مقدمة المهذب في اختصار السنن الكبير، وكذلك محمد الشيباني في التوضيح الجلي في الرد على النصيحة الذهبية المنحولة على الإمام الذهبي، ومحمد القونوي، وغيرهم.
ثانياً: الذهبي ترجم لشيخ الإسلام في أكثر من كتاب يثني فيها جميعاً عليه ثناءً عظيما لو جاء من غيره لوصف بالغلو، مثل قوله: "علم الزهاد نادرة العصر .. كان من بحور العلم، ومن الأذكياء المعدودين، والزهاد والأفراد، والشجعان الكبار، والكرماء الأجواد، أثنى عليه الموافق والمخالف" (تذكرة الحفظ 4/ 1497)، وقال في الصفحة التي بعدها: "فما رأيت مثله"، وهذه العبارة يعرف قيمتها من يعرف شيوخ الذهبي رحمه الله ومن رآهم، ومن قوله فيه: "وأصحابه وأعداؤه خاضعون بعلمه, مقرون بسرعة فهمه, وأنه بحر لاساحل له, وكنز لانظير له, وأنه جوده حاتمي, وشجاعته خالدية, ولكن قد ينقمون عليه أخلاقا وأفعالا منصفهم فيها مأجور, ومقتصدهم فيها معذور, وظالمهم فيه مأزور, وغالبهم مغرور، وإلى الله ترجع الأمور, وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك"، وقد قال هذا الكلام بعد وفاته وقد نص عليه، وهو يعارض النصيحة المزعومة التي يفترض أنها قبل وفاته، وسيجيء شيء من ثناء الإمام الذهبي وإطرائه على شيخ الإسلام فيما يلي بمشيئة الله.
ثالثاً: الذهبي صاحب أسلوب معروف، لايعرف له طعن في أحد فكيف يكتب بهذا الأسلوب الذي ملئ بالحمير! والألفاظ التي طالما نزه الذهبي قلمه عنها مثل البليد والكذاب، فهذا الأسلوب لم يعهد للإمام الذهبي ولو مع أناس أوغلوا في البدعة والإلحاد أو الفسوق والعصيان، خاصة وأن الناظر في ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية في كتب الذهبي مثل تاريخ الإسلام وطبقات الحفاظ وهو من آخر ما صنف يلمس التعظيم للشيخ واضحاً حتى إذا جاء ذكره في معرض ترجمة أو كلام كما فعل في ترجمة أبي إسماعيل الأنصاري، وأيضاً لما ذكر مسألة الطلاق في ترجمة ابن جرير، بل قل أن يذكره إلاّ وقال "شيخنا"، بل ربما سأله بعض طلابه فيذكر لهم فتوى شيخه ابن تيمية أو قوله، ومن ذلك ما سأله عنه ابن كثير عن الربيبة (انظر التفسير 1/ 472).
رابعاً: على فرض أن الرسالة صحيحة، فإن آخر الآراء من الذهبي هو الثناء المطلق على شيخ الإسلام ابن تيمية، وانظر إلى ترجمته في كتاب طبقات الحفاظ وهو من آخر ما ألف، ولكن المبتدعة من أهل الجهل يتعلقون بحروف عجيبة، لأن من خالف ابن تيمية من أهل العلم والفضل لم يستطع أن يكتم فضله وأن يذيع الثناء على عقله وعلمه، كما أن الأوصاف التي وردت فيها من نحو وصفه لشيخ الإسلام بالازدراء لغيره, والإعجاب بنفسه, قد صرح الذهبي بضدها في تراجمه, ومدحه لها مما لا يليق بشيخ الإسلام ولم يعرف عنه بشهادة الذهبي في غير موضع.
وكذلك الشأن في مؤلفاته كلها التي جاء ذكر ابن تيمية فيها، فإذا فرض أن الرسالة صحيحة فلايمكن أن تكون موجهة لمن عاش عمره يمدحه ويثني عليه.
خامساً: سند هذه الرسالة يعود إلى ابن قاضي شهبة، وهو من أعداء شيخ الإسلام، فكيف يجعل الخصم حكماً؟
يتبع بإذن الله==>
¥