لاتأخذه في الله لومة لائم , ذا سطوة وإقدام , وعدم مداراة للأغيار , ومن خالطه وعرفه قد ينسبني إلى التقصير في وصفه , ومن نابذه وخالفه ينسبني إلى التغالي ... مع أني لا أعتقد فيه العصمة , كلا , فإنه مع سعة علمه وفرط شجاعته وسيلان ذهنه وتعظيمه لحرمات الدين , بشر من البشر تعتريه حدة في البحث , وغضب ....
يزرع له عداوة في النفوس ونفورا عنه , وإلا والله فلو لاطف الخصوم , ورفق بهم ولزم المجاملة , وحسن المكالمة , لكان كلمة اجماع فإن كبارهم وأئمتهم ... خاضعون بعلومه وفقهه , معترفون بشنوفه ,
وكأنهم مقرون بندور خطئه.
لستُ أعني بعض العلماء الذين شعارهم وهجُيراهم الاستخفاف به , والازدراء ُ بفضله , والمقتُ له
حتى استجهلوه وكفروه ونالوا منه من غير أن ينظروا في تصانيفه ,
ولا فهموا كلامه ,
ولا لهم حظ تام من التوسع في المعارف
, والعالم منهم قد يُنصفه ... بعلم , وطريق العقل عما شجر بين الأقران , رحم الله الجميع وأنا أقل من ينبه على قدر كلمي أو أن يوضح بناءه قلمي , وأصحابه وأعداؤه خاضعون بعلمه , مقرون بسرعة فهمه , وأنه بحر لاساحل له , وكنز لانظير له , وأنه جوده حاتمي , وشجاعته خالدية , ولكن قد ينقمون عليه أخلاقا وأفعالا منصفهم فيها مأجور , ومقتصدهم فيها معذور , وظالمهم فيه مأزور , وغالبهم مغرور
إلى الله ترجع الأمور , وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك , والكمال للرسل
والحجة في الإجماع , فرحم الله أمرأً تكلم في العلماء بعلم , وأمعن في مضايق أقاويلهم بتؤدة وفهم واستغفر لهم
ووسع نطاق المعذرة , وإلا فهو ممن لايدري , ولايدري أنه لايدري
وإن أنت أعذرت كبار الائمة في معضلاتهم ولم تعذر ابن تيمية في مفرداته فقد أقررت على نفسك بالهوى وعدم الأنصاف وإن قلت لاأعذره لأنه كافر عدو الله ورسوله ,
قال لك خلق من أهل العلم والدين: ماعلمناه الا مؤمنا محافظا على الصلاة والوضوء وصوم رمضان معظما للشريعة ظاهرا وباطنا لايؤتى من سوء فهم بل له الذكاء المفرط , ولا من قلة علم فإنه بحر زخار , بصير بالكتاب والسنة , عديم النظير في ذلك , وهو بمتلاعب بالدين , فلو كان كذلك لكان أسرع شيء إلى مداهنة خصومه وموافقتهم ومناقضتهم , وهو هو يفرد بمسائل بالتشهي , ولايفتي كيما اتفق بل مسائله المفردة يحتج لها بالقرآن أو بالحديث وبالقياس ويبرهنها ويناظر عليها ,
وينقل فيها الخلاف ويطيل البحث أسوة من تقدمه من الأئمة فان كان أخطأ فيها فله أجر المجتهد من العلماء
وان كان قد أصاب فله أجران وإنما الذم والمقت لأحد رجلين: رجل أفتى في مسألة بالهوى ولم يُبدِ حجة ً
, ورجل تكلم في مسألة بلا خميرة من علم ولاتوسع في نقل فنعوذ بالله من الهوى والجهل ولا ريب انه لااعتبار بذم أعداء العلم فإن الهوى والغضب يحملهم على عدم الإنصاف والقيام عليه.
ولا اعتبار بمدح خواصه والغلاة فيه , فإن الحب يحملهم على تغطية هناته بل قد يعدونها له محاسن وانما العبرة لاهل الورع والتقوى من الطرفين الذين يتكلمون بالقسط ويقومون لله ولو على أنفسهم وآبائهم فهذا الرجل لا أرجو على ما قلته فيه دنيا ولا مالا ولاجاها بوجه أصلا مع خبرتي التامة به ولكن لايسعني في ديني ولا عقلي أن أكتم محاسنه وأدفن فضائله وأبرز له ذنوبا مغفورة في سعة كرم الله , وصفحة مغمورة في علمه وجوده ,
فالله يغفر له ويرضى عنه ويرحمنا إذا صرنا إلى ما صار إليه مع أني مخالف له في مسائل أصلية وفرعية فقد
أبديت آنفا ان خطأه مغفور بل يثيبه الله فيها على حُسن قصده وذل وسعه , والله الوعد , مع أني قد أوذيت لكلامي فيه من أصحابه ... فحسبي الله
وكان الشيخ أبيض أسود الرأس واللحية قليل الشيب كأن عينه لسانان ناطقان ربعة من الرجال بعيد ما بين المنكبين جهوري الصوت فصيحا سريع القراءة تعتريه حدة ثم يقهرها بحلم وصفح وإليه كان المنتهى في فرط الشجاعة والسماحة وقوة الذكاء ولم ار مثله في ابتهاله واستعانته بالله وكثرة توجهه
وقد تعبت بين الفريقين فأنا عند محبه مقصر وعند عدوه مسرف مكثر
كلا والله
توفي الى رحمة الله معتقلا بقلعة دمشق بقاعة بها بعد مرض جد أياما في ليلة الإثنين العشرين من ذي القعدة
¥