فهذا النقل، وغيره كثير من كلام شيخ الإسلام في هذا الباب يؤكد منهجه - رحمه الله - في التعامل مع العلماء، وفي مناقشة المسائل العلمية؛ ولكن العَجَبَ ممن يدع كلام الرجل عن نفسه، أو ما هو موجود في كتبه؛ ويأخذ نقيضه من أعدائه!!، أو من المُقَلِدَةِ الَّذِين يُردِّدُن ما يسمعون!.
ولم أرَ في كُتُبِ هذا الإمام جَرْحَاً، ولا ثلْبَاً، ولا اغماطاً لحق أحدٍ من العلماء، فضلاً عن كبار الأئمة، لمجرد مخالفته لهم في المسائل التي يسوغ فيها الخلاف، ودونك كتبه، هل ترى فيه وصفاً لأحد العلماء بالجهل! أو بالسخافة! أو بالسفاهة! على خلاف بعض العلماء؛ الذين قد يستجيزون القدح في العلماء، والأئمة بسبب اختلافٍ في مسألةٍ فقهيةٍ، فرعيةٍ، لِكُلِ قَوْلٍ فيها حظٌ من النظر (5).
كما أن ابن تيمية - رحمه الله - كثير الثناء على أئمة العلم، خاصة الأئمة الأربعة- أبا حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد- رحمهم الله تعالى.
يقول-رحمه الله-:"ومن ظن بأبي حنيفة، أو غيره من أئمة المسلمين أنهم يتعمدون مخالفة الحديث الصحيح؛ لقياس، أو غيره؛ فقد أخطأ عليهم، وتكلم إما بظن، أو هوى" (6).
وانظر كلامه في أبي حنيفة، والشافعي في مسألة التبعيض في مسح الرأس (7).
وانظر في ثنائه على الإمام مالك، وصحة أصوله التي بنى فقهه عليها؛ كتابه الشهير " صحة مذهب أهل المدينة " (8).
وخاتمة الكلام أن ابن تيمية - رحمه الله - من العلماء الذين ظُلِمُوا في هذا الباب كثيراً، وشَنَّعَ عليه مخالفوه بالباطل، وحَمَّلُوا كلامه ما لا يحتمله، بل جعله بعضهم (9) ممن عانَد الرسول – صلى الله عليه وسلم -،وطعن في الدِّيْن، وأنه يُغلِظ على جميع من يُخالفه في مسائل الدِّيْن التي يسوغ في مِثلها الخلاف، وقالوا: يُكَفِّر المسلمين! ويطعن في العلماء!! إلى غير ذلك من الكذب عليه، والتنفير عنه، وهذه كتبه، وفتاواه بين أيدينا؛ لم نرى فيها طعناً في أحد من العلماء، وأئمة الدِّيْن؛ بل هو من أشد الناس حرصاً على عدم تكفير أحد من المسلمين بغير حجة، ولا برهان (10)، ومن أشد الناس حرصاً على تجميع القلوب على طاعة عَلاَّمِ الغيوب (11)، ونبذ الفرقة، والخلاف في الأئمة، ولولا خشية الاسترسال في النقول؛ لنقلت عنه في هذا الباب ما يقطع كل شبهة؛ ولكن في ما كُتِبَ تنبيه على هذه المسألة، والله المستعان.
ــــــ
-انظر مثلاً الاستقامة (1/ 464 - 465) مجموع الفتاوى (17/ 363)، منهاج السُنَّة
2 - كتاب مطبوع متداول، ومطبوع ضمن مجموع الفتاوى (20/ 231 - 290)، وانظر في عرض خُلاصته، وما أثاره ابن تيمية فيه؛ منهج ابن تيمية في الفقه، للعطيشان (ص / 316).
3 - انظر مثَلاً مجموع الفتاوى (3/ 348 - 349)، (6/ 503)، (26/ 202)، (30/ 79)، (32/ 127و239و268).
4 - مجموع الفتاوى (35/ 99 - 104) ومما يلاحظ أن هذه الفتوى في مسألة ((من خطَّأ الرسول – صلى الله عليه وآله وسلم - في مسألة تأبير النخل، والعلماء المشار إليهم في سؤال الفتوى هم: الغزالي، الإسفرائني، وابن سُريج، وغيرهم.
5 - مجموع الفتاوى (20/ 304).
6 - مجموع الفتاوى (20/ 304).
7 –مجموع الفتاوى (22/)، قاعدة العقد (ص / 188).
8 - مطبوع مراراً وتكراراً، وهو في مجموع الفتاوى (20/ 294 - 396).
9 - انظر كناب الإمام الحافظ ابن ناصر الدِّين الدمشقي:" الرد الوافر على من زعم أن من سمى ابن تيمية: شيخ الإسلام؛ فهو كافر"
10 - انظر منهج ابن تيمية في مسألة التكفير للدكتور عبد المجيد المشعبي (1/ 37 - 46).
11 - انظر مثلاً قاعدة توحّد الملة (ضمن مجموع الفتاوى 19/ 106 - 128)، وقاعدة تصويب المجتهدين، ضمن مجموع الفتاوى (19/ 203 - 227)، وسبقت الإشارة لرسالته: رفع الملام عن الأئمة الأعلام.
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[14 - 06 - 02, 05:42 ص]ـ
حيّاك الله بيننا أخي الفاضل.
مقال ثمين في الدفاع عن شيخ الإسلام (رحمه الله).
أخي هل اكتمل السطر الأوّل في الحاشية؟ وهل كان المفروض أن تسبقه (*)؟
ـ[جليس العلماء]ــــــــ[17 - 06 - 02, 07:30 م]ـ
عذراً على التأخر للإنشغال ...
رقم واحد موجود في المتن، وهو في الهامش بلا رقم.
وأما علامة النجمة فهي إشارة للرابط الذي وضع فيه المقال المُشار إليه، ولكني أغفلته للمصلحة العامة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـ[راشد بن عبد الرحمن البداح]ــــــــ[09 - 02 - 09, 02:37 م]ـ
مقالة جميلة جديرة بالرفع
جزى الله من رقمها خيرًا
ـ[أبو عبدالله الخليلي]ــــــــ[09 - 02 - 09, 03:48 م]ـ
مقالة جميلة جديرة بالرفع
جزى الله من رقمها خيرًا
نعم بارك الله في كاتبها ورحم الله ابن تيمية من إمام جليل