والمسألة هى أن العرف الجارى بين الكتّاب القدامى أن يبدأوا كتبهم بـ (سلام عليك أو عليكم) ويختموها بـ (السلام عليك أو عليكم) 0 وحسبى أن أثبت كلام ابن قتيبة الذى تحاملتَ عليه فى ردّك علىّ , قال " وتكتُب فى صدر الكتاب: سلام عليك , وفى آخره:السلام عليك 0 لأن الشىء اذا بدىء بذكره كان نكرة فاذا أعدتَه صار معرفة 0 وكذا كل شىء نكرة حتى يعرّف بما عرف , تقول: مرّ بنا رجل 0 ثم تقول: رأيت الرجل قد رجع 0 وتقول: رأيته قد رجع 0 فكذلك لما صرتَ الى آخر الكتاب وقد جرى فى أوله ذكر السلام , عرّفته أنه ذلك السلام المتقدم " أدب الكاتب ص254 0
وحسبى أن أعزّز قول ابن قتيبة بالأدلة , فتفضل بالاطلاع على قسم الكتب للعصر الأسلامى 0
كتب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الى المقوقس ما يأتى:
(من محمد رسول الله الى المقوقس عظيم القبط 0 سلام على من اتبع الهدى , أما بعد أدعوك بدعاية الاسلام 000 الخ 0) فتوح مصر لابن عبدالحكم ص 42 والطبرى ج 3 ص 287 0
وكتب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الى كسرى فارس:
(بسم الله الرحمن الرحيم 0 من محمد رسول الله الى كسرى عظيم فارس 0 سلام على من اتبع الهدى وآمن بالله ورسوله 00 الخ) صبح الأعشى ص 276 0
وكتب أبو بكر – رضى الله عنه – للمرتدين:
" بسم الله الرحمن الرحيم 0 من أبى بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم الى من بلغه كتابى هذا عامة أو خاصة أقام على إسلامه أو رجع عنه 0 سلام على من اتبع الهدى 000 الخ " 0 الطبرى ج3 ص276 0
ومعلوم أن هذا الكتب مدونة ويستشهد بها اللغويون والنحاة 000
واعلم يا سيدى أنى – كما تقول – " قنعتُ لك ولنفسى وللناس بالنقل مجرّداً 000"
والسلام عليكم
بغداد
صبحى البصامى
فكان رد الشيخ محمود شاكر كما يلى:
وأيضاً, تهجّم على التخطئه!
اللى أخى البصام:
السلام عليكم و رحمة الله , فيُخيّل الىّ – والله أعلم – أنك رجل واسع المعرفة , مغرىً بالتحصيل , دقيق البصر , تطلب الكلام وإسناده ووجهه و مكانه وضوابطه, وحسب طالب المعرفة أن يكون كذلك 0
وقد طلع علىّ مقالك فى الرسالة , فما أدرى والله من أىّ أمريك أعجب؟ من واسع معرفتك , أم من حُسن تهدّيك الى مواطن الشُبهة فى كلامى 0 أم لعلى أعجب من استجلابك للحجة بعد الحجة فى تخطئة شىء كان الناس فى غنىً وراحة عن اضطرابهم بين صوابه وخطئه؟
ومختصر القول ه أنك تريد أن تقول: إن الكتاب ينبغى أن يبدأ كما بدىء فى بعض كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكتب أصحابه بقولك " سلام عليك " فاذا كان الختام قيل "والسلام عليك ", وأن من بدأ الكتاب بقوله: " السلام عليك " فقد أخطأ 0
أفهذا شىء من أدب الكتابة واتباع السنة وحسب؟ أم هو قاعدة توجب الإتّباع نحواً ولغة ورواية , فيكون من بدأ بقوله:" السلام عليك " معرِّفاً فقد أخطأ فى حق النحو واللغة والرواية؟
وكلامك كله يدل على أن البدء بالسلام المُعرّف خطأ من قبل النحو واللغة الرواية 0
اليس كذلك؟
فان كان ذلك كذلك , فقد رويتُ لك قول صاحب اللسان فى مادة (سلم):" ويقال السلام عليكم , وسلام عليكم , وسلام بحذف عليكم 0" وهذا ولا ريب قول اللغة والرواية والنحو فيما رواه لنا الرواة فى تحديد بدء السلام (الذى هو التحية) 0
هذه واحدة 0
ثم ذكرتُ لك قول الأخفش الذى رددتَه علىّ , وقلتَ إنه لا يُعتدّ به (هكذا) لأنى لم أذكر مصدره الذى نقلتُ عنه , وفيه تصريح بيّنٌ كتصريح صاحب اللسان , ثم زاد فأظهرنا على العلة فقال إن " سلام عليكم حذفتْ منه الزيادة (وهى الألف واللام) كما يُحذف الحرف الذى هو من أصل الكلمة فى قولنا (لم يك) 0
وعلة أخرى هى أنه لما كثر استعمال (السلام عليكم) بالألف واللام حُذفا لكثرة الإستعمال 0
وهذا تقريرٌ يدل على أن اللغة والنحو والرواية تجعل الأصل فى السلام المبدوء به هو التعريف 0
فان شئتَ أن تعرف أين وقع هذا الكلام عن الأخفش فاطلبه فى ص152 ج1 من كتاب تهذيب الأسماء واللغات للنووى وفى غيره أيضا 0
هذه ثانيه 0
فإن شئتَ أن تزداد علماً فخذ كتاب " المُخصّص" لابن سيده ج12 ص311 واقرأ قوله:" فأما قولهم: سلام عليك , فإنما استجازوا حذف الألف واللام منه , والابتداء به وهو نكرة لأنه فى معنى الدعاء , ففيه وإن رفعتَ معنى المنصوب "
¥