يريد كأنك تدعو فتقول (سلاما) 0 وقوله " استجازوا " دليل على أن الأصل هو التعريف بالألف واللام فى ابتداء التحية , وأن الحذف ترخّصٌ منهم , وهو شبيه بقول الأخفش 0
هذه ثالثة 0
فان شئتَ أن تضرب الأمثال لنفسك بالشعر كما ضربتَها لى , فاقرأ قول جرير فى ديوانه ص 443 وفى النقائض ج1 ص212:
يا أم ناجية السلام عليكمُ **** قبل الرواح وقبل لوم العُذّلِ
هذه رابعة 0
وان شئتَ أن تقرأ قول لبيد فى الخزانة ج1 ص217 – 218 وفى ديوانه:
الى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملاً فقد اعتذر
فافعل تجد قولهم أن كلمة (اسم) مقحمة , وتقدير الكلام فيما يقول النحاة:" ثم السلام عليكما " 0و تجد ايضا فى احدى روايته " الى سنة ثم السلام عليكما "
هذه سادسه 0 ((هكذا وقع فى المجلة! – فِهر))
فانظر لنفسك هل أخطأ كل هؤلاء وأصبتَ أنت؟
واعلم مشكوراً أن المقام فى هذا كله مقام ابتداء لا مقام ختام مسبوق بسلام منكّر غير معرّف 0
واما كلام ابن قتيبة فهو كلام بيّنٌ لا غموض فيه , فالرجل يقول لك:" تكتب فى صدر الكتاب: سلام عليك , وفى آخره السلام عليك "
ولم يقل لك إنه ينبغى , ولا أن القاعدة (أن تكتب فى صدر الكتاب كذا 000)
وهو إنما ذكر هذا فى كتابه فى (باب الهجاء) لا فى باب أدب الكتابة كما ترى , ولم يأمر الرجل ولم ينه , ولم يقل لك إن من قال فى أول كتابه " السلام عليك " مُعرّفاً فقد أخطأ , كما شئتَ انت أن تُقوّله 0
واما ما ذكره من أمر التعريف , فانه أراد أن يعلمك لِمَ عُرّف ثانياً وقد جاء منكّراً وهو أول , وكان من حقه أن يأتى فى الآخر منكّراً مرفوعاً كما جاء فى الأول فقال لك:" لأن الشىء اذا بدىء بذكره كان نكرة , فاذا أعدتَه صار معرفة , وكذا كل شىء 0 تقول: مرّ بنا رجل , ثم تقول: رأيت الرجل قد رجع 0 فكذلك لما صرتَ الى آخر الكتاب , وقد جرى فى أوله ذكر السلام عرّفتَه أنه ذلك السلام المتقدم "
ويريد أن يقول إن التعريف هنا (للعهد لا للجنس) 0
هذا كل ما فى كلام الرجل , لم يوجب شيئا ولم يمنع شيئا 0
اما الآية التى فى سورة مريم من قول عيسى عليه السلام:"و السلام علىّ يوم لدت ويوم اموت 000" ,و ما جاء من قول الزمخشرى فيها:" قيل ادخل لام التعريف لتعرّفه بالذكر قبله 0" يعنى فى قول الله تعالى ليحى:" وسلام عليه يوم ولد يوم يموت 000 "
فذلك تفسير الزمخشرى لمعنى (أل) فى قول من قال ان التعريف هنا للعهد 0 وأبى الزمخشرى أن يكون كذلك , لأن العهد ههنا باطل عنده , فالسلام المذكور فى قصة يحى كان من قول الله سبحانه قبل مولد عيسى , هو آتٍ فى أول السورة فى الآية 15
ثم مضى بعدها " واذكر فى الكتاب مريم " وذكر الله سبحانه قصتها , حتى أفضت الى كلام عيسى وهو فى المهد اذ قال:" والسلام علىّ يوم ولدت 000 " فى الاية33
فبين السلام الأول والثانى (1) انقطاع فى المدة (2) وانقطاع فى السرد , واختلاف فى مبتدىء السلام وملقيه , فالأول من الله والثانى من عيسى 0
هذا وسلام عيسى فى الآية الثانية المعرّف فيها السلام , ابتداء ولا ريب 0
من اجل ذلك ذهب الزمخشرى الى ان التعريف ههنا للجنس لا للعهد (وهذا كما ترى يخالف كل المخالفة ما اراده ابن قتيبة فى كلامه) 0
ثم ذكر الزمخشرى نكتة البلاغة فى التعريف فقال ان تعريف الجنس هو الصحيح لا تعريف العهد " ليكون ذلك تعريضا باللعنة على متهمى مريم وعلى اعدائها من اليهود " 0
وهذا عندى تعليل ضعيف جدا من الشيخ رضى الله عنه , وكان خليقاً به أن يصرف عنه وجهه 0 ولولا أنه كان مولعاً بنكت البلاغة لما وقع في مثل ما وقع فيه 0
وان شئتَ ان تزداد فقهاً ومعرفة بما قلتُ فاقرأ تفسير الشهاب الخفاجى والألوسى والقونوى وأبا حيان وكتاب الأنموذج للرازى وتدبر ما فيها كل التدبر 0
واما قوله فى الآية الأخرى من سورة طه " والسلام على من اتبع الهدى " ان معنى التعريف ههنا التعريض بحلول العذاب على من كذب وتولى , فهذا جيد وحسن لقوله تعالى فى الآية التى تليها:" إنا قد أوحىَ الينا أن العذاب على من كذب وتولى "
وهذا ايضا طلب لنكت البلاغة , وتبيانٌ لأن التعريف ههنا للجنس 0
¥