تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الحمد لله , والصلاة والسلام على رسول الله , وعلى ءاله وصحبه وبعد , فهذا بحث يسير في حكم قول " توكلت على الله ثم عليك " هل يجوز أم لا يجوز؟ ولكي نجيب عن هذا السؤال ونعلم حكم هذه المقالة حكما صحيحا موافقا للدليل الشرعي لابد من الجواب على سؤال يسبقه لأنه الأساس الذي يبنى عليه الجواب الصحيح عن سؤالنا هذا , فهما سؤالان لابد من الجواب عنهما للخروج بجواب صحيح عن هذه المقالة التي انتشرت في أيامنا هذه , وهذان السؤلان هما: السؤال الأول: هل يجوز التوكل على غير الله بحال من الأحوال؟ وعلى ضوء الإجابة على هذا السؤال الأول يكون الجواب عن السؤال الثاني وهو: هل يجوز قول " توكلت على الله ثم عليك "؟

أما السؤال الأول: هل يجوز التوكل على غير الله بحال من الأحوال؟ فالجواب عنه أنه لا يجوز التوكل على غير الله بحال من الأحوال باتفاق أهل العلم كافة , فلم يقل أحد من العلماء بجواز أن يتوكل العبد على غير الله بحال من الأحوال , فلا يتوكل العبد على غير الله مع الله ولا بعد الله فضلا عن أن يتوكل على غير الله استقلالا , وهذا بإجماع العلماء كافة , ومن لديه فتوى عن أحد من أهل العلم يقول فيها بجواز التوكل على غير الله فليأتنا بها وهيهات أن يجد ذلك عن أحد من أهل العلم , لأنهم اتفقوا على أن التوكل على غير الله عز وجل هو مظهر من مظاهر الشرك , وقسموه إلى شرك أصغر وهو التوكل على الحي الحاضر فيما يقدر عليه , وشرك أكبر وهو التوكل على ميت أو غائب أو حي حاضر فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل , وذلك لأن التوكل عبادة قلبية لا يصح أن تصرف لغير الله عز وجل بحال , فالتوكل هو اعتماد القلب وتفويض الأمر , ولذلك لم يرد في نص أبدا ما يشير إلى جواز صرفه لغير الله ولو بالقول , ولم يرد عن أحد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ولا عن أحد من التابعين وأتباعهم ـ رحمهم الله ـ أنهم قالوا هذه المقالة , إذا تبين لنا هذا الجواب الأول سيتبين لنا أن الجواب الذي لا محيص عنه ولا يصح غيره عن السؤال الثاني أنه لا يجوز ولا يصح أن يقال: " توكلت على الله ثم عليك "لأن أصل التوكل على غير الله عز وجل لا يجوز فقول القائل" توكلت على الله وعليك "هو شرك لا يجوز وليس السر في عدم جوازه أن العطف فيه بالواو , بل لأن أصل التوكل على غير الله عز وجل لا يجوز , فلا فرق حينئذ بين الواو وبين ثم لأن أصل العبارة لا يجوز أصلا حتى نفرق بين سياقها بالواو وسياقها بثم , إنما ذلك الفرق بين العطف بالواو وثم يكون فيما يجوز التعبير عنه نحو المشيئة التي أثبتها الله عز وجل للعبد بقوله تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين (وقال تعالى: (إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما) فبعد أن ثبت بالدليل أن للعبد مشيئة أثبتها الله عز وجل حينئذ نبحث كيف نعبر عن هذه المشيئة المثبتة للعبد فيصح التعبير بثم ولا يصح التعبير بالواو وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصل ذلك, فروى النسائي وصححه عن قتيلة أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون تقولون: ما شاء الله وشئت, وتقولون: والكعبة, فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة, وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت. أما لو لم يرد في الشرع إثبات المشيئة للعبد لما جاز التعبير عنها بالواو ولا بثم , فأين إثبات التوكل على غير الله عز وجل حتى نثبته بثم؟ وكيف نثبت ما لم يثبته الله عز وجل ولا رسوله صلى الله عليه وسلم , وتأمل مثلا في الاستعانة بغير الله عز وجل , وقد قسمها العلماء إلى قسمين: قسم مثبت جائز وهو الاستعانة بالحي الحاضر فيما يقدر عليه , ودليل جوازه قوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى) وقوله تعالى (واستعينوا باصبر والصلاة) وقوله صلى الله عليه وسلم (والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه) فهذا القسم الجائز المثبت بعد أن أثبتنا جوازه ننظر كيف نقول في التعبير عنه؟ نقول: استعنت بالله ثم بك في مثل أن تدفع معي سيارة أو أن تحمل معي متاعا ومثل ذلك مما أقدرك الله عليه , ولا نقول:استعنت بالله وبك فيما أقدرك الله عليه , وأما القسم الثاني وهو الاستعانة بغير الله فيما

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير