تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن هنا تولدت في نفسي شهوة النظر بتلك الأسانيد والتدقيق في قيمة رواتها، بيد أن ظروف المعيشة والانشغال في العمل الوطني صرفتني طويلا عن الموضوع، ثم جاءت الانقلابات السياسية وما رافقها من إرهاب شيوعي وبعثي واشتراكي دَفَعَنا للهجرة إلى المدينة الحبيبة قبل ما يقارب الثلاثين من الأعوام، وتلا ذلك أعباؤنا في الجامعة الإسلامية من تدريس وإشراف اجتماعي، وعمل طويل في تنظيم المناهج، ومشاركة في تحرير مجلة الجامعة، وما إلى ذلك مما اضطرنا إلى تأخير ما تطلعنا إليه من ذلك الواجب. حتى شاء اللّه أن يقع في يدي كتاب الشاعر الإسلامي العراقي الأستاذ وليد الأعظمي في الموضوع بعنوان (السيف اليماني في نحر الأصفهاني صاحب الأغاني) فلم أطق مفارقته حتى أتيت عليه. وكنت كلما فرغت من مطالعة قسم منه أرفع كفي بالضراعة إلى اللّه أن يثيبه على مجهوده الكبير بالمغفرة الواسعة، والرحمة السابغة يوم لا ينفع امرءاً إلا ما أسلف من خدمة للحقيقة ونفع للمسلمين ..

لقد شعرت أن هذا الكتاب قد أراحني من عبء ثقيل إذْ حقق ما طالما تمنيته من إمكان التفرغ لعمل الأصفهاني في كتابه المريب، فأوليه ما يستحق من نقد عادل يكشف المستور من فساد الطوية الذي أملى عليه تلك الموبقات، التي لم يرد بها سوى تشويه الإسلام دينا وعقيدة وعبادة، والطعن على دعاته وحَمَلة راياته من منائر الهدى وناشري أنواره في العالمين.

ا لمنهج الشيطاني:

لقد وفق اللّه الشاعر الإسلامي الكبير وليداً إلى كشف معظم الستور التي تَلَفَّع بها الأصفهاني ليقذف من خلفها سهامه المسمومة في كبد الحقيقة، ومن أبرز توفيقاته في تلك الصفحات المقاربة ثلاث المئات تعريفه لذلك الخبث الشعوبي الذي أقام عليه الأصفهاني بنيان (أغانيه) لتشويه مقومات التاريخ الإسلامي. ويتمثل خبثه ذاك في عرضه الحقيقة ملفوفة بالكثير من الأباطيل، كالذي يشاهده أحدنا في بعض الصحف والمجلات التي تفسح بعض صفحاتها لمقال رفيع بقلم كاتب إسلامي موثوق رغبة في الاستحواذ على ثقة القارئ المؤمن، ثم لا تلبث أن تتبعه بنتاج قلم رقيع يهدمه ويشكك في قيمته الفكرية حتى ليثير الريب في كل ما انطوى عليه ذلك المقال أو البحث الصالح! مَثَلُها في ذلك مَثَلُ زيوت الطعام التي قرر مجلس الدول الأوروبية توزيعها على الشعوب الفقيرة في إفريقية، ثم اتضح من تقارير المتتبعين لهذه التوزيعات أن تلك الزيوت ممزوجة بفضلات الإنسان، أي الغائط البشري حسب تعبير محطة الإذاعة البريطانية!.

وُيقْدم هذا الشعوبي على التمكين لسمومه تحت غطاء من التظاهر بالإسلام، إذ يعرض لاسم واحد من أفاضل الأمة مشفوعا بما يليق به من صيغ التكريم، حتى إذا استوثق من ثقة القارئ المغفَّل رماه بباقعة تجعله موضع الهزء والسخرية!. وقلما سلم من بوائقه هذه فرد أو جماعة أو حزب ممن لهم حميد الذكر بين العرب والمسلمين منذ العهد الراشدي مروراً بالأموي فالعباسي حتى أيام الأصفهاني .. وتحس من خلال ذلك حقده اللاهب على الإسلام وكبار رموزه من الجنس العربي، في حين لا ترى له أي مغمز في أعجمي مهما يبلغ من الإغراق في مجوسيته، فيذكرنا بشعوبية نظيره السابق بشار بن برد في تفضيله إبليس على آدم أبي البشر نكاية بالمفهوم القرآني، وتمجيداً للفكر المجوسي الذي يقدس النار التي منها خُلِق الشيطان!.

وهو يواجهك بهذه النزاعات في كل مناسبة، وبخاصة في مُجونياته التي لا يتورع أن يزفها إلى قرائه محشوة بأقذر الألفاظ، وبذلك يطوّع نفوسهم لألفة مثل هذه السفاهات حتى تغدو من أساسيات أسمارهم في مجالسهم الخاصة يقرعون بها الأسماع ويستكثرون عن طريقها الأشياع، ويجرِّئون بها الرعاع على أفاضل هذه الأمة غير مستثن منهم أحدا دون تمييز بين فريق وآخر، إلا ما يتعلق بآل بُوَيه الذين ألف كتابه لهم، فلا أذكر أنه يشير إلى أي منهم بقذعة واحدة، ومع تبجحه بالانتساب إلى الأمويين، وبالنحلة إلى التشيع، فلا يضن على هؤلاء وأولئك بفيض من راجماته الجارحة كلما وجد ثغرة لإرسالها، ولعل نصيب آل البيت المطهر من إقذاعه هو الأكبر والأكثر، إذ ينالهم في أعز ما يستحقون به التوقير والتقدير. وتظل الميزة البارزة في أفكاره أنه عدو الجميع، وقد أوتي موهبةً بلاغية مؤثرة يستخدمها في تنفيذ رغباته الحَقود في تحقير الإسلام والعرب صراحة أومن وراء حجاب.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير