تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد سبق أن حدثنا القارئ عن المنهج الشيطاني الذي سلكه الأصفهاني في الهجر المغلف على كل الجماعات العربية من علوية وعباسية وشيعية دون استثناء ولا مهادنة، حتى تصير به المناسبة إلى ذكر الأعاجم وبخاصة البويهيين والبرامكة، فإذا هو خافض الجناح لا يشير إليهم إلا بغاية الاحترام والتقديس!.

مفتاح هذه الشخصية:

ومعلوم أن لكل جهاز مفتاحه الذي به يُتَوصل إلى تشغيله .. وأمامنا مَثَل التلفاز الذي تقف منه تلقاء كيان بالغ التعقيد لا تعرف كيف تتعامل معه حتى يهديك خبير إلى الزر الذي لا تكاد تمسه حتى يكشف لك أسراره. والإنسان ذلك الجهاز العجيب المؤلف من مئات بل آلاف الأجزاء أكثر تعقيدا وأسرار فلا سبيل لك إلى حقيقته حتى تهتدي إلى مفتاح شخصيته فيسهل لك الوصول إلى أعمق أغواره ..

وفي ظني أني وضعت يد القارئ على مفتاح تلك الشخصية الأصفهانية من خلال العرض الآنف لمقوماتها المتميزة.

إنها العقدة المنطلقة من الحقد اللاهب على كل ما هو عربي أو إسلامي فجَّرها في عقلَيْهِ الظاهرِ والباطن انهيارُ السلطان الأموي، الذي حرمه فرص التمتع بعزة الملك، الذي كان من الطبيعَي أن يكون أحد ورثائه الأقربين لو قُيض لأبيه- آخر خلفاء بني أمية – الانتصار على خصومه.

فعن طريق هذا المفتاح ستعرف الكثير من البواعث التي سوف تسوق صاحب الأغاني في ذلك الاتجاه التخريبي الذي لم يسلم من شره عربي أو مسلم أيا كانت هويته .. ومن هذا المنطلق كان تركيزه- في أغانيه- على الكثير من الرموز التي اشتهرت بفضائلها خلال القرون، فراح يلطخ صورها بالكثير من المشوهات .. ، وكانت مطيته في هذا الطريق هي الأدب والشعر والغناء دون تفريق بين الصالح والفاسد والمثوق والمجروح من الأخبار .. وقد اختار لسمومه المستويات العليا من الطبقات التي هي قدوة الجماهير .. ومعيار توجهاتها الأساسية00 لتكون العدوى أسرع حركة وأشد فتكا .. والمفكر الرصين حين ينظر إلى عمل الأصفهاني من خلال هذا المنظار لن يفوته العلم بأن وراء هاتيك الأصباغ التي يسبغها على مجالس الرشيد رغبة مصممة على اختراق جدار المناعة التي تشد المجتمعات الإسلامية إلى تراثها الروحي، ليسهل انفصالها عن منابع القيم التي ترسخ ارتباطها بالماضي العريق لكي تصبح مهيأة لقبول كل التغييرات، إثْرَ فقدانها مشاعر الاعتزاز بأصولها التي أمست في تصورها الجديد موضع الارتياب، وبعد أن انحسرت عنها تلك النفحات القدسية التي كانت تتلقاها من خطاب ربها: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت/33)

إنها عملية غسل للأدمغة والقلوب تستهدف تدمير المقومات الإِسلامية التي بها كان المسلمون خير أمة أخرجت للناس ..

ومن يستطيع أن يدفع عن هذه الأمة ذلك الوباء الوبيل وهي تطالع سِير أبرز رموزها الوارثين لذلك التراث المجيد غارقين إلى آذانهم في تلك الغمرات الآسنة!!.

هارون الرشيد بين الحقيقة والخيال:

انه ابن الخليفة المَهدي، خامسُ الخلفاء المنحدرين من صلب العباس بن عبد المطلب عم رسول اللّه عقبيه، وأكثرُهم حضورا في أذهان الخاصة والعامة من أجيال العرب والمسلمين، وبخاصة لدى المؤرخين والإخباريين الذين أحاطوا سيرته بجواءٍ أسطورية أمدت المسرحيين والسينمائيين ولا تزال بمعينٍ لا يكاد يتوقف عن عَصره وأحداثه ومتارفه، التي يقل فيها الواقع وتكثر فيها التكاذيب ..

ولكن لهذه السيرة مكانها كذلك عند الثقات من مؤرخي السلف وعلمائهم، ومن هؤلاء الإمام الذهبي الذي يقول في المجلد التاسع من كتابه النفيس (سير أعلام النبلاء): "أبو جعفر هارون .. الهاشمي العباسي .. روى عن أبيه المهدي وجده .. وروى عنه ابنه المأمون، وكان من أنبل الخلفاء وأحشم الملوك ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة ورأي .. وفصاحة وعلم وبصر بأعباء الخلافة، ونظر جيد في الأدب والفقه .. أغزاه أبوه بلادَ الروم وهو حَدَث .. وقيل إنه كان يصلي في خلافته في كل يوم مائة ركعة إلى أن مات .. وكان يحب العلماء وبعظم حرمات الدين .. ويبكي على نفسه ولهوه وذنوبه .. ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير