تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم لماذا يؤثر التسلل إلى قصره عن طريق الزبيل وكان في وسعه أن يأمر الموصلي بأداء دوره في زيارة الجواري ثم يفاجئهن بشخصه ومن حيث لا يتوقعن!!.

والقارئ ذو اللب لابد أن يجد نفسه مشدودا إلى مثل هذه التساؤلات أمام الكثير مما يواجهه في مجلدات الأغاني ..

وقد يسترسل الأصفهاني مع الخيال فيخترع من الأحداث مالا ينطلي إلا على الأطفال المفطورين على الولع بالغرائب، فمن اختراعاته المضحكة خبر القِطَّين الذي يورده عن لسان إبراهيم الموصلي إذ كان في سرداب له ذات ليلة فإذا هوبسنورتين تهبطان قريبا منه ثم يغنيان ويعيدان بأحسن صوت حتى لَقِنَه، ومات فرحا- كما يقول الأصفهاني- فطرحه من غدٍ على جارية له فجُنت 00) 194.

المدرسة الإبليسية:

وفي أضلولة أخرى يرينا إبراهيم هذا وقد دخل عليه شيخ في ظواهر من اليسار والأناقة، فأخذ يحدثه في مختلف فنون الأدب والتاريخ، إلى أن استثاره فغناه وشرب معه وما زال الشيخ يستزيده ويستحسن ما يسمع حتى التهبت مشاعره واستأذن إبراهيمَ بأن يكافئه على ذلك بغناء منه. وانطلق يحرك العود حتى يخيل للسامع أنه (ينطق بلسان عربي):

ولي كبد مقروحة من يبيعني بها كبدا ليست بذات قروح! ..

فتراءى لإبراهيم أن الحيطان والأبواب وكل مافي البيت يجيبه ويغني معه .. وفجأة انفلت من بين يديه فلم يقع منه على أثر حتى سمع هاتفا من بعض جوانب البيت يقول: (لابأس عليك يا أبا اسحق .. أنا إبليس .. كنت جليسك ونديمك فلا تُرع .. )!. وركب إلى الرشيد فأطرفه بالقصة، فاستنشده الرشيد ألحان إبليس فأعادها

عليه، (فطرب وجلس يشرب .. وأمر له بصلة وحملان وقال: ليته- إبليس- أمتعنا بنفسه يوما واحدا كما أمتعك) 230 - 23.

ولقد يغلب على الظن أن خبر القطين لم يكن غير رؤيا عرضت لإبراهيم بدافع من انشغاله النفسي بأصداء الغناء، ولكن خبر إبليس يتجاوز هذه الدائرة إذ سمع صوتَه سكانُ البيت فلم يقتصر عليه وحده! .. فلم يبق أمامنا إلا الحكم بأنه من مخترعات الأصفهاني، أو من نقل عنه .. ولكن مجرد روايته لهذا الضرب من التكاذيب كاف لرد شهادته في كل أو معظم ما ينفرد به من الروايات ..

على أن الأصفهاني قد أدرك أن مثل هذه الأعاضيه من شأنه أن يهز الثقة به عند من يحسنون به الظن، فتدارك ذلك بالتبرؤ تبعتها بأن علقها على ذمة محدثه- ابن الأزهر- وأتبع ذلك بقوله: هكذا حدثنا بهذا الخبر وما أدري ما أقول فيه. ولعل إبراهيم صنع هذه الحكاية لينفق بها أو صيغت أو حُكيت عنه. "ويختم تعليله بإمكان رد الخبر كله إلى الرؤيا .. ولكن هذا الرد يظل مجروحاً بعد الذي ادعاه إبراهيم من سماع أهل بيته لألحان ذلك الإبليس ..

ونحن لا يعنينا من القصة الابليسية! إلا ما تحمله من اعتراف الموصلي بعمله وزمرته في خدمة الشيطان، وهو ما يؤكده في العديد من مواقفه، وأقربها إلى الذاكرة ذلك الخبر الذي يرويه حفيده، حماد بن إسحاق عن جده إبراهيم حيث يقول: إنه دخل عليه وهو يلقي على تلميذه مخارق صوتا، فلما أتقنه مخارق جعل إبراهيم يبكي- فرحا- ثم قال: يامخارق نعم وسيلةُ ابليسَ أنت في الأرض .. أنت بعدي واللّه صاحب اللواء في هذا الشأن 198/ 5.

أجل واللّه إنها للمدرسة التي تحت رايتها يحقق عدو اللّه ما يعجز عنه المئون من المخربين ..

إنها لَلْمدرسة التي أعد بها إبراهيم جيلا من الساحرين والساحرات يضمن بهم استمرار المسيرة الابليسية ... وحسبه شرفا، بشهادة الأصفهاني عن ولده اسحق أنه (أول من علم الجواري المُثمَّنات فإنه بلغ بالقيان كل مبلغ ورفع من أقدارهن) - 170. وخرج رسول الرشيد ذات ليلة إلى المغنين يأمرهم بأن يغنوا بهذين البيتين:

يا خليلي قد مللت ثوائي بالمصلَّى وقد سئمت البقيعا

بلغاني ديارهندوسعدي وارجعاني فقد هويت الرجوعا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير