تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تقول السيدة - بزعم الأصفهاني – "برئتُ من جدي إن أنت برحت داري ثلاثا، وبرئت من جدي إن لم تغنِّ إن خرجت من داري شهرا، وبرئت من جدي إن أقمت في داري شهرا إن لم أضرِبك لكل يوم تقيم فيه عشرا، وبرئت من جدي إن حنثت في يميني أو شفَّعت فيك أحداَ .. " ولا داعي للتوقف على هذه البراآت، بل هذا اللغو الذي يعزوه إلى حفيدة رسول اللّه دون حياء ليجعل منه مواثيق تُلزم المغني بالنكوص عن توبته وبالعودة إلى ماضيه الشيطاني نزولا على رغبتها.

بإزاء هذه العزائم الغريبة لم يستطع ابن "سريج فكاكا من الأسر إلا بإرسال صوته ببعض الألحان تحلة للقسم فاندفع يغني:

أستعين الذي بكفيه نفعي ورجائي على التي قتلتني

ورقت الطاهرة لهذا المغني فجعلت تذكره بفضائل الصبر، وفي غمار النشوة أخرجت دملجاً من ذهب كان في عضدها وزنه أربعون مثقالا وأقسمت عليه إلا أدخله في يده، ومن ثم بعثت بأشعب إلى عزة الميلاء تدعوها للمشاركة في هذه المناسبة.

ولما جاء دور هذه القينة غنت بأبيات من شعر عننزة، فأعجب ابن سريج بما سمع وأبدى استحسانه غناءها، وترجمت السيدة مشاعرها بأن ألقت إلى القينة بالدملج الآخر!.

واستمرت المناسبة ثلاثة أيام أغرقت الدار بما فيها ومن فيها من الجواري والمطربين في جو من البهجة المذهلة. ولم يستطع عبيد التملص من مأزقه حتى عاد فغنى بأمر السيدة، واختار لذلك أبياتا تلوِّح بمشكلته، فدعت لكل من عزة وابن سريج بحلة ثم أذني لهما بالانصراف، وهي تقول للمغني: قد علمت ما أردت بهذا وقد شفعناك .. وإنما كانت يميني على ثلاثة أيام .. فاذهب في حفظ اللّه وكلاءته ..

الشهادة الفاضحة:

ويأبى الأصفهاني إلا أن يعاود الحديث عن الطاهرة سكينة بأسوأ مما بدأ، وذلك عندما عرض لأخبار الفاسق الأكبر عمر بن أبي ربيعة فروى من شعره 17/ 159.

قالت (سُعيدةُ) والدموع ذو ارف منها على الخدين والجلباب

ليت المغيريَّ الذي لم أجزه في ما أطال تصيدي وطلابي

كانت ترد لنا المنى أيامُها إذلا نلام على هوى وتصابي

أسُعيدُ .. ما ماء الفرات وطيبُه مني على ظمأ وحب شراب

بألذ منك، وان نأيت وقلما يرعى النساء أمانة الغياب

ويعقب على النص بأنه تُغُنِّي فيه باسم (سكينة) مكان سُعَيدة وإنما غَّيره المغنون،

ثم يروي عن لسان اسحق الموصلي قوله: غنيتُ الرشيد يوما بقوله: قالت سكينة والدموع ذوارف ...

فوضع القدح من يده وغضب غضبا شديدا ثم قال: لعن اللّه الفاسق ولعنك معه .. ويحك أتغنيني بأحاديث الفاسق ابن أبي ربيعة في بنت عمي وبنت رسول اللّه صلي الّله عليه و سلّم؟!!.

وفي هذا وذاك ما يؤكد أن اسم (سكينة) كان صريحا في ذلك أو أن كونها هي المقصودة بهذه الأبيات أمرٌ مشهور يدركه السامع ولو أبدل باسمها غيرُه.

وليس ثمة أي غموض في أن الفاسق إنما يتغزل بالطاهرة وبأسلوب الماجنين، وهي وقاحة لا يحتملها سمع مسلم ..

ورب قائل إن المرجَّح كونُ الأصل هو اسم سعيدة لا سكينة، وإنما اختلط على الرواة لاتفاق وزن الاسمين .. وسواء كان الأصل ذلك أو هذا فسيظل الأمر في نطاق الكبائر، لأن المقصود بسعدي حسب تعريف الأصفهاني نفسه هي بنت الصحابي الجليل عبدا لرحمن بن عوف- 17/ 157 - أحد العشرة المبشرين بالجنة والسابقين إلى ا لإسلام.

فكيف إذا علمت أن مضمون هذا الغزل أبعد ما يكون عن الواقع، وبهذا يصرح المؤلف في الصفحة نفسها حين يروي ذلك الحوار بين الشاعر الفاسق وسُعدى بنت الصحابي الجليل، إذ رأت الشاعر يطوف بالبيت فأرسلت إليه: إذا فرغت فأتِنا فأتاها فقالت وقال:

- ألا أراك إلا سادرا في حرم اللّه!. أما تخاف اللّه!. ويحك إلى متى هذا السفَه؟!.

- أيْ هذه .. دعي عنك هذا. أما سمعت ما قلت فيك؟. وتلا بعض تلك الأبيات.

- أخزاك اللّه يا فاسق .. ما علم اللّه أني قلت مما قلتَ حرفا، ولكنك إنسان بَهوت ..

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير