تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والمقدمة الأولى كاذبة بيقين , والثانية فيها نزاع، فصارت الأقوال التي فيها صدق وكذب على أولئك بمنزلة القرآن لهم، وبمنزلة السنة المسموعة من الرسول، وبمنزلة إجماع الأمة وحدها، وكل عاقل يعرف دين الإسلام وتصور هذا فإنه يمجه أعظم مما يمج الملح الأجاج والعلقم، لا سيما من كان له خبرة بطرق أهل العلم، لا سيما أهل الحديث، وما عندهم من الروايات الصادقة التي لا ريب فيها عن المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى، فإن هؤلاء جعلوا الرسول الذي بعثه الله إلى الخلق هو إمامهم المعصوم، عنه يأخذون دينهم، فالحلال ما حلله، والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وكل قول يخالف قوله فهو مردود عندهم، وإن كان الذي قاله من خيار المسلمين وأعلمهم، وهو مأجور على اجتهاده، لكنهم لا يعارضون قول الله وقول رسوله بشيء أصلا، لا نقل نقل عن غيره، ولا رأي رآه غيره.

ومن سواه من أهل العلم فإنما هم وسائط في التبليغ عنه، إما للفظ حديثه، وإما لمعناه، فقوم بلغوا ما سمعوا منه من قرآن وحديث، وقوم تفقهوا في ذلك وعرفوا معناه، وما تنازعوا فيه ردوه إلى الله والرسول.

فلهذا لم يجتمع قط أهل الحديث على خلاف قوله في كلمة واحدة، والحق لا يخرج عنهم قط، وكل ما اجتمعوا عليه فهو مما جاء به الرسول، وكل من خالفهم من خارجي ورافضي ومعتزلي وجهمي وغيرهم من أهل البدع فإنما يخالف رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل من خلاف مذاهبهم في الشرائع العملية كان مخالفا للسنة الثابتة، وكل من هؤلاء يوافقهم فيما خالف فيه الآخر، فأهل الأهواء معهم بمنزلة أهل المل مع المسلمين، فإن أهل السنة في الإسلام كأهل الإسلام في الملل، كما قد بسط في موضعه.

فإن قيل: فإذا كان الحق لا يخرج عن أهل الحديث، فلم لم يذكر في أصول الفقه أن إجماعهم حجة، وذكر الخلاف في ذلك، كما تكلم على إجماع أهل المدينة وإجماع العترة؟

قيل: لأن أهل الحديث لا يتفقون إلا على ما جاء عن الله ورسوله وما هو منقول عن الصحابة، فيكون الاستدلال بالكتاب والسنة وبإجماع الصحابة مغنيا عن دعوى إجماع ينازع في كونه حجة بعض الناس، وهذا بخلاف من يدعي إجماع المتأخرين من أهل المدينة إجماعا؛ فإنهم يذكرون ذلك في مسائل لا نص فيها، بل النص على خلافها، وكذلك المدعون إجماع العترة يدعون ذلك في مسائل لا نص معهم فيها، بل النص على خلافها، فاحتاج هؤلاء إلى دعوى ما يدعونه من الإجماع الذي يزعمون أنه حجة.

وأما أهل الحديث فالنصوص الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هي عمدتهم، وعليها يجمعون إذا أجمعوا، لا سيما وأئمتهم يقولون: لا يكون قط إجماع صحيح على خلاف نص إلا ومع الإجماع نص ظاهر معلوم، يّعرف أنه معارض لذلك النص الآخر، فإذا كانوا لا يسوغون أن تعارض النصوص بما يدعى من إجماع الأمة، فكيف إذا عورضت النصوص بما يدعى من إجماع العترة أو أهل المدينة؟!

وكل من سوى أهل السنة والحديث من الفرق فلا ينفرد عن أئمة الحديث بقول صحيح، بل لا بد أن يكون معه من دين الإسلام ما هو حق، وبسب ذلك وقعت الشبهة، وإلا فالباطل المحض لا يشتبه على أحد، ولهذا سمي أهل البدع أهل الشبهات، وقد قيل فيهم إنهم يلبسون الحق بالباطل.

...... وكذلك أهل السنة في الإسلام متوسطون في جميع الأمور ...... والمقصود أن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينفردون عن سائر طوائف الأمة إلا بقول فاسد، لا ينفردون قط بقول صحيح، وكل من كان عن السنة أبعد كان انفراده بالأقوال والأفعال الباطلة أكثر، وليس في الطوائف المنتسبين إلى السنة أبعد عن آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرافضة، فلهذا تجد فيما انفردوا به عن الجماعة أقوالا في غاية الفساد، مثل ........... ، ومفاريد الرافضة التي تدل على الجهل والضلال كثيرة لم نقصد ذكرها هنا، لكن المقصود أن كل طائفة سوى أهل السنة والحديث المتبعين لآثار النبي صلى الله عليه وسلم لا ينفردون عن سائر الطوائف بحق، والرافضة ابلغ في ذلك من غيرهم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير