تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بعد ذلك ظل صلاح الدين يفتح البلاد بعد البلاد، يفتح المدن المختلفة، بيروت وصيدا وعكا وعسقلان وغزة ونابلس، كل هذه البلاد صار يفتحها بلداً بلداً، ومن كان فيها من أسرى المسلمين أطلقهم وأكرمهم وهكذا، إلى أن تهيأ صلاح الدين للمعركة الثانية بعد معركة حطين، هذه المعركة هي معركة فتح بيت المقدس، فتح القدس وإنقاذ المسجد الأقصى، لقد عاث الصليبيون فساداً خلال هذه السنين، حينما فتح صلاح الدين عكا أقام فيها صلاة الجمعة وقد حرمت فيها صلاة الجمعة أكثر من سبعين عاماً، لم تصلى فيها جمعة، وهنا أراد أن يفتح بيت المقدس وعلم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بنية هذا السلطان العادل أن يفتح بيت المقدس ويحرره من أيدي الصليبيين، فجاءه العلماء والصلحاء والزهاد والأتقياء من كل مكان، يريدون أن ينالوا شرف المشاركة في هذا الجهاد العظيم، القدس، معركة القدس خاصة إنها معركة يهواها كل مسلم، كل مسلم يود أن يكون ممن يحرر القدس، يوم يفتح الباب للجهاد، حينما علم الناس بنية صلاح الدين أنه بعد حطين لابد أن يفتح القدس جاءه الناس من كل مكان، كبار الناس من العلماء والصلحاء من بلاد الإسلام جاءوا لينضموا إلى جيشه وفعلاً حاصر القدس وكان فيها أكثر من ستين ألفاً من المقاتلين الأشداء المدربين، وقد حصنوها تحصيناً بليغاً ولكن الله سبحانه وتعالى قوى قلب صلاح الدين وحاصر هذه المدينة واستطاع أن ينقض جزء من سورها وأن يهدد من كان في داخلها وجاءه قادة هؤلاء الصليبيين يستعطفونه ويطلبون منه الصفح والعفو، هؤلاء الذين دخلوا هذه المدينة فقتلوا سبعين ألفاً من أهلها أو أكثر من ذلك، وسالت الدماء أنهاراً وغاص الناس في الدماء إلى الركب حين دخل الصليبيون القدس الشريف، منذ اثنتي وتسعين عاماً هجرية، ولكن هؤلاء اليوم جاءوا يطلبون العفو والصفح ورفض صلاح الدين في أول الأمر ثم نظر في العاقبة ووجد أن في هذا العفو خيراً وعفا عن هؤلاء على أن يتركوا ويذهبوا إلى مكان أمنهم في صور في لبنان، وكل واحد منهم يدفع 25 ديناراً للرجل وخمسة دنانير للمرأة ودينارين لكل صغير وصغيرة فدية بسيطة معظمها أخذوها من مال المسلمين حينما احتلوا هذه الديار.

ونصر الله عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب الكافرة المغيرة وحده ودخل المسلمون بيت المقدس بعد اثنتين وتسعين سنة، ظل في أيدي الصليبيين، دخلوه في السابع والعشرين من رجب سنة 583 هجرية، دخلوا وكان يوم جمعة ولكنهم لم يصلوا الجمعة في ذلك اليوم لأنهم كانوا مشغولين ولم يسعفهم الوقت ليعدوا المسجد، فالمسجد مليء بالصلبان والقذارة والخنازير ولذلك لم يصلوا إلا في الجمعة التالية، أخذ المسلمون المسجد الأقصى وأصبح في أيديهم، في الجمعة التالية كانت خطبة عظيمة، خطبة التحرير، خطبة الصلاة بعد الحرمان هذه المدة الطويلة.

المعركة لم تنته بحطين وبفتح بيت المقدس

وهكذا أيها الأخوة لابد للحق أن ينتصر ولابد للباطل أن ينكسر (وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) ولكن أحب أن أقول لكم أن المعركة لم تنته بحطين ولم تنتهي بفتح بيت المقدس، فسرعان ما انتقض الصليبيون على صلاح الدين وعادوا إلى عكا بعد أن حررت منهم، جاءوا من البر والبحر ألوف، جاء ملك ألمانيا وكان معه مائة وخمسون ألفا معظمهم ماتوا في الطريق ولم يصل إلا بخمسة آلاف، ثم جاء ملك الإنجليز ريتشارد قلب الأسد، جاءوا لم يستسلموا وظل القتال بقية عمر صلاح الدين ومع أولاده ثم بعد ذلك مع المماليك أيام الظاهر بيبرس البندقداري المملوك الذي حكم مصر والشام، بل ظل ذلك بعده أيضاً أيام القلاونيين، نحن نعرف الملك لويس التاسع الذي كان يسمى القديس لويس، الصليبيون جاءوا في حملات متتالية، ثمان حملات أو تسع حملات بعضها وراء بعض، يحاولون أن يحتلوا هذه البلاد واحتلوها وأقاموا فيها ممالك وإمارات بالفعل ولكن الله هيأ لهم الرجال الذين استطاعوا أن ينتزعوها من أيديهم وهذا هو وعد الله حينما قال (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين) النصر للمؤمنين والنصر بالمؤمنين، كما قال عز وجل (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) إنما يتم النصر بالمؤمنين المؤتلفة قلوبهم أما المؤمنون

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير