تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في صباه ورقه وكفره , ولا فرق.

الثاني: أن المفتي المجهول الذي لا يدرى أنه بلغ رتبة الاجتهاد أم لا , لا يجوز للعامي قبول قوله , وكذلك إذا لم يدر أنه عالم أم لا , بل سلموا أنه لو لم تعرف عدالته وفسقه فلا يقبل , وأي فرق بين حكاية المفتي عن نفسه اجتهاده وبين حكايته خبرا عن غيره.

الثالث: أن شهادة الفرع لا تسمع ما لم يعين الفرع شاهد الأصل , وهو مجهول عند القاضي فلم يجب تعيينه وتعريفه إن كان قول المجهول مقبولا. وهذا رد على من قبل شهادة المجهول , ولا جواب عنه.

فإن قيل: يلزمه ذكر شاهد الأصل , فلعل القاضي يعرفه بفسق فيرد شهادته. قلنا: إذا كان حد العدالة هو الإسلام من غير ظهور فسق فقد تحقق ذلك فلم يجب التتبع حتى يظهر الفسق.

ثم يبطل ما ذكره بالخبر المرسل , فإنهم لم يوجبوا ذكر الشيخ ولعل المروي له يعرف فسقه.

الرابع: أن مستندنا في خبر الواحد عمل الصحابة وهم قد ردوا خبر المجهول , فرد عمر رضي الله عنه خبر فاطمة بنت قيس وقال: كيف نقبل قول امرأة لا ندري صدقت أم كذبت؟،ورد علي خبر الأشجعي في المفوضة وكان يحلّف الراوي , وإنما يحلّف من عرف من ظاهره العدالة دون الفسق.

ومن رد قول المجهول منهم كان لا ينكر عليه غيره فكانوا بين راد وساكت , وبمثله ظهر إجماعهم في قبول العدل إذ كانوا بين قابل وساكت غير منكر ولا معترض.

الخامس: ما ظهر من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبه العدالة والعفاف وصدق التقوى ممن كان ينفذه للأعمال وأداء الرسالة , وإنما طلب الأشد [الأتقى] لأنه كان قد كلفهم أن لا يقبلوا إلا قول العدل " (16).

ثالثاً ـ شبه واعتراضات وهي أربع:

"الأولى: أنه صلى الله عليه وسلم قبل شهادة الأعرابي وحده على رؤية الهلال (17)،ولم يعرف منه إلا الإسلام.

قلنا: وكونه أعرابيا لا يمنع كونه معلوم العدالة عنده صلى الله عليه وسلم إما بالوحي وإما بالخبرة وإما بتزكية من عرف حاله، فمن يسلم لكم أنه كان مجهولا عنده.

الثانية: أن الصحابة قبلوا قول العبيد والنسوان والأعراب لأنهم لم يعرفوهم بالفسق وعرفوهم بالإسلام.

قلنا: إنما قبلوا قول أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواج أصحابه وكانت عدالتهن وعدالة مواليهم مشهورة عندهم، وحيث جهلوا ردوا كرد قول الأشجعي وقول فاطمة بنت قيس.

الثالثة: قولهم:لو أسلم كافر وشهد في الحال أو روى، فإن قلتم لا نقبل شهادته فهو بعيد، وإن قبلتم فلا مستند للقبول إلا إسلامه وعدم معرفة الفسق منه، فإذا انقضت مدة ولم نعرف منه فسقا لطول مدة إسلامه لم نوجب رده.

قلنا: لا نسلم قبول روايته فقد يسلم الكذوب ويبقى على طبعه، فما لم نطلع على خوف في قلبه وازع عن الكذب لا نقبل شهادته، والتقوى في القلب وأصله الخوف وإنما تدل عليه أفعاله في مصادره وموارده فإن سلمنا قبول روايته فذلك لطرق إسلامه وقرب عهده بالدين، وشتان بين من هو في طراوته وبدايته وبين من قسا قلبه بطول الإلف.

فإن قيل: إذا رجعت العدالة إلى هيئة باطنة في النفس وأصلها الخوف، وذلك لا يشاهد بل يستدل عليه بما ليس بقاطع، بل هو مغلب على الظن، فأصل ذلك الخوف هو الإيمان، فذلك يدل على الخوف دلالة - ظاهرة فلنكتف به.

قلنا: لا يدل عليه، فإن المشاهدة والتجربة دلت على أن عدد فساق المؤمنين أكثر من عدد عدولهم، فكيف نشكك نفوسنا فيما عرفناه يقينا؟

ثم هلا اكتفي بذلك في شهادة العقوبات وشهادة الأصل وحال المفتي في العدالة وسائر ما سلموه.

الرابعة: قولهم: يقبل قول المسلم المجهول في كون اللحم لحم ذكي، وكون الماء في الحمام طاهرا وكون الجارية المبيعة رقيقة غير متزوجة ولا معتدة حتى يحل الوطء بقوله، وقول المجهول في كونه متطهرا للصلاة عن الحدث والجنابة إذا أم الناس، وكذلك قول من يخبر عن نجاسة الماء وطهارته بناء على ظاهر الإسلام، وكذلك قول من يخبر الأعمى عن القبلة.

قلنا: أما قول العاقد فمقبول لا لكونه مجهولا لكنه مع ظهور الفسق، وذلك رخصة لكثرة الفساق ولمسيس حاجتهم إلى المعاملات، وكذلك جواز الاقتداء بالبر والفاجر فلا يشترط الستر، أما الخبر عن القبلة وعن طهارة الماء فما لم يحصل سكون النفس بقول المخبر فلا يجب قبوله، والمجهول لا تسكن النفس إليه بل سكون النفس إلى قول فاسق جرب باجتناب الكذب أغلب منه إلى قول المجهول وما يخص العبد بينه وبين الله تعالى فلا يبعد أن يرد إلى سكون نفسه.

فأما الرواية والشهادة فأمرهما أرفع وخطرهما عام، فلا يقاسان على غيرهما، وهذه صور ظنية اجتهادية، أما رد خبر الفاسق والمجهول فقريب من القطع " (18).

وبعد:

فهذا ماتيسر جمعه،سائلا الله ـ عزّوجل ـ أن يرزقنا الإخلاص والصواب في أقوالنا وأعمالنا وأن يرينا الحق حقّاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وصلى الله على نبينا وإمامنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم.

السلام عليكم

هلا مكنتنا من المراجع بارك اللّه فيك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير