وقد تعددت صور ذلك. فمنهم من يجتمعون في بيت من البيوت، أو مسجد من المساجد فيذكرون الله بذكر معين وبصوت واحد: كأن يقولوا: لا إله إلا الله. مائة مرة (15). قال الشقيري: ((والاستغفار جماعة على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة بدعة. والسنة استغفار كل واحد في نفسه ثلاثاً، وقولهم بعد الاستغفار: يا أرحم الراحمين - جماعةً - بدعة، وليس هذا محل هذا الذكر)) (16).
ومن صور الذكر الجماعي مما هو موجود عند جماعات من الناس:
1 - الاستغفار عقب الصلاة، والاتيان بالأوراد الواردة أو غيرها بصوت واحد مرتفع (17). قال الأذرعي: ((حمل الشافعي رضي الله عنه أحاديث الجهر على من يريد التعليم)) (18).
2 - أو أن يدعو الإمام دبر الصلاة جهراً رافعاً يديه، ويؤمن المأمومون على دعائه وبصوت واحد (19).
3 - ومنه أن يجتمع الناس في مكان - مسجد أو غيره - ويدعون الله، وبصوت واحد إلى غروب الشمس ويجعلون الاجتماع لهذا الذكر شرطاً للطريقة (20).
وقد قال التيجاني: ((من الأوراد اللازمة للطريقة ذكر الهيللة بعد صلاة العصر يوم الجمعة مع الجماعة، وإن كان له إخوان في البلد فلابد من جمعهم وذكرهم جماعة. وهذا شرط في الطريقة)) (21). وقال الرباطي: ((وترك الاجتماع من غير عذر شرعي يعرض في الوقت ممنوع عندنا في الطريقة، ويعد تهاوناً، ولا يخفى وخامة مرتع التهاون)) (22).
وقد أفتى العلماء ببطلان الذكر الجماعي، فقد جاء في بعض الأسئلة الواردة إلى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية ما نصه:
قال السائل: لنا جماعة هم أصحاب الطريقة التيجانية يجتمعون كل يوم جمعة ويوم الاثنين ويذكرون الله بهذا الذكر (لا إله إلا الله)، ويقولون في النهاية (الله الله ... ) بصوت عال. فما حكم فعلهم هذا؟
الجواب: (بعد بيان ضلال هذه الطريقة). والاجتماع على الذكر بصوت جماعي
لا أصل له في الشرع، وهكذا الاجتماع بقول: (الله الله ... ) أو: (هو هو ... ) والاجتماع بصوت واحد هذا لا أصل له، بل هو من البدع المحدثة (23).
4 - ومن صور الذكر الجماعي الموجودة أن يجتمع الناس في مسجد وقد وقع البلاء في بلد فيدعون الله بصوت واحد لرفعه.
5 - ومن هذه الصور كذلك ما يحصل عند بعض الناس في أعمال الحج من الطواف والسعي وغيرها، حيث إن بعضهم يؤجرون من يدعو لهم، ويرددون وراءه أدعية معينة لكل شوط، بدون أن يكون لكل أحد الفرصة للدعاء فيما يتعلق بحاجته الخاصة التي يريدها. وقد يكون بعض هؤلاء المرددين لصوت الداعي لا يعرفون معنى ما يدعو به الداعي: إما لكونهم لا يعرفون اللغة العربية. أو للأخطاء التي تحصل من الداعي، وتحريفه للكلام. ومع هذا يحاكونه في دعائه، وهذه الأدعية إنما صارت بدعة من وجهين:
الأول: تخصيص كل شوط بدعاء خاص، مع عدم ورود ذلك. قال الشيخ
عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: ((وأما ما أحدثه بعض الناس: من تخصيص كل شوط من الطواف أو السعي بأذكار مخصوصة، أو أدعية مخصوصة فلا أصله له، بل مهما تيسر من الذكر والدعاء كافي)) (24).
الثاني: الهيئة الجماعية، مع رفع الصوت، وحكاية ألفاظ بدون تدبر واستحضار معنى.
6 - ومن صور الذكر الجماعي كذلك ما يقع عند الزيارة للقبر النبوي، أو قبور الشهداء، أو البقيع، أو غير ذلك من ترديد الزائرين صوت المزورين، قال الشيخ الألباني - رحمه الله - عند تعداده لبدع الزيارة في المدينة المنورة: ((تلقين من يعرفون بالمزورين جماعات الحجاج بعض الأذكار والأوراد عند الحجرة، أو بعيداً عنها بالأصوات المرتفعة، وإعادة هؤلاء ما لقنوا بأصوات أشد منها)) (25).
7 - ومن هذه الصور كذلك اجتماع الناس في المساجد وأماكن الصلوات - ولاسيما في العيدين - ليرددوا التكبير جماعة خلف من يتولى التكبير في مكبر الصوت، ويرددون وراءه جماعة بصوت واحدٍ، فهذا كذلك من البدع.
المبحث الثالث: حجج المجوزين للذكر الجماعي وأدلتهم
احتج المجيزون للذكر الجماعي بحجج (26)، نوجزها فيما يلي:
¥