1 - عمر بن الخطاب رضي الله عنه. فقد روى ابن وضاح بسنده إلى أبي عثمان النهدي قال: ((كتب عامل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه إليه: أن ها هنا قوماً يجتمعون، فيدعون للمسلمين وللأمير. فكتب إليه عمر: أقبل وأقبل بهم معك فأقبل. فقال عمر، للبواب: أعِدَّ سوطاً، فلما دخلوا على عمر، أقبل على أميرهم ضرباً بالسوط. فقلت: يا أمير المؤمنين إننا لسنا أولئك الذي يعني، أولئك قوم يأتون من قبل المشرق)) (60).
2 - وممن أنكر من الصحابة كذلك الاجتماع للذكر: عبد اله بن مسعود رضي الله عنه وذلك في الكوفة. فعن أبي البختري قال: أخبر رجل ابن مسعود رضي الله عنه أن قوماً يجلسون في المسجد بعد المغرب، فيهم رجل يقول: كبروا الله كذا، وسبحوا الله كذا وكذا، واحمدوه كذا وكذا، واحمدوه كذا وكذا. قال عبد الله: فإذا رأيتهم فعلوا ذلك فأتني، فأخبرني بمجلسهم. فلما جلسوا، أتاه الرجل، فأخبره. فجاء عبد الله بن مسعود، فقال: والذي لا إله إلا غيره، لقد جئتم ببدعة ظلماً، أو قد فضلتم أصحاب محمد علماً. فقال عمرو بن عتبة: نستغفر الله. فقال: ((عليكم الطريق فالزموه، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لتضلن ضلالاً بعيداً)) (61).
3 - وممن أنكر عليهم من الصحابة: خباب بن الأرت، فقد روى ابن وضاح بسند صحيح عن عبد الله بن أبي هذيل العنزي عن عبد الله بن الخباب قال: ((بينما نحن في المسجد، ونحن جلوس مع قوم نقرأ السجدة ونبكي. فأرسل إليَّ أبي. فوجدته قد احتجز معه هراوة له. فأقبل عليَّ. فقلت: يا أبت! مالي مالي؟! قال: ألم أرك جالساً مع العمالقة (62)؟ ثم قال: هذا قرن خارجٌ الآن)) (63)، كما أنكر عامة التابعين رحمهم الله تعالى كذلك هذه البدع ومن جملة ذلك: كراهية الإمام مالك الاجتماع لختم القرآن في ليلة من ليالي رمضان. وكراهيته الدعاء عقب الفراغ من قراءة القرآن بصورة جماعية (64)
وقد نقل الشاطبي في فتاواه كراهية مالك الاجتماع لقراءة الحزب، وقوله: إنه شيء أُحدث، وإن السلف كانوا أرغب للخير، فلو كان خيراً لسبقونا إليه (65).
فهذه النقول، التي أوردناها في هذا الباب، كلها توضح أن السلف - رضي الله عنهم - كانوا لا يرون مشروعية الاجتماع للذكر بالصورة التي أحدثها الخلف. ولله در السلف! ما كان خير إلا سبقوا إليه، ولا كانت بدعة منكرة إلا كانوا أبعد الناس عنها، محذرين منها. فما من إنسان يخالف هديهم إلا كان تاركاً لسبل الخير، معرضاً عنها، مقتحماً أبواب الضلال.
فلو كان الذكر الجماعي مشروعاً أو مستحباً لفعله السلف، ولو فعلوه لنُقل عنهم، ولَوَرَدَ إلينا. فلما لم يُنقل ذلك عنهم، بل نُقل عنهم ما يخالف من الإنكار على فاعله، كما حدث من ابن عمر، وابن مسعود، وغيرهما. دل ذلك على أن هذا العمل غير مشروع أصلاً.
ثالثاً: النصوص العامة التي فيها المنع من الابتداع في الدين، كحديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (66). ومعلوم أن الذكر الجماعي لم يأمر به النبي r ولم يدل عليه، فلو شرعه النبي r لأمر به وحث الناس عليه، ولشاع ذلك عنه r بينهم مع قيام المقتضى.
رابعاً: أن في القول باستحباب الذكر الجماعي استدراكاً على شريعة النبي r بحيث إن المبتدعين له شرعوا أحكاماً لم يشرعها النبي r ، قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21]. فلما لم يشرع النبي r لأمته هذا العمل، دل ذلك على بدعيته.
خامساً: ومن أدلة المانعين من الذكر الجماعي: أن في هذا الذكر بصوت واحد تشبهاً بالنصارى الذين يجتمعون في كنائسهم لأداء التراتيل والأناشيد الدينية بصوت واحد. هذا مع كثرة النصوص الشرعية التي وردت في النهي عن التشبه بأهل الكتاب، والأمر بمخالفتهم.
سادساً: ومن أدلة المانعين من الذكر الجماعي: أن فيه مفاسد عديدة تقطع بعدم جوازه، لاسيما وأنها تربو على ما له من منافع زعمها المجيزون له، فمن هذه المفاسد:
1 - التشويش على المصلين والتالين للقرآن مع ورود النهي عن هذا التشويش، ومنها على سبيل المثال قوله r : (( إلا إن كلكم مناج ربه. فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة)) (67).
¥