[اليقين - للشيخ خالد السبت]
ـ[ابوعمر]ــــــــ[06 - 09 - 03, 09:40 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الأخوة الأفاضل بهذا المنتدى المبارك هذا موضوع من المواضيع المهمة
التي لابدّ على المسلم ان يتأملها في حياته دائما ويراجعها بين الفينة
والأخرى وهي من درر الشيخ الفاضل حفظه الله تعالى الشيخ / خالد
بن عثمان السبت.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،،،
فحديثنا عن موضوع اليقين، وهذا الحديث يضمُ نقاطاً عدة:
أولًا: بيان معنى اليقين وحقيقته.
ثانيًا: ما الفرق بين العلم واليقين؟ وبين الصدق وبين اليقين؟ وبين الثقة وبين اليقين؟
ثالثاً: بيان منزلة اليقين من الدين.
رابعاً: اليقين في كتاب عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
خامساً: بيان مراتبه.
سادساً: بيان مراتب أهل اليقين.
سابعاً: اختبار اليقين.
ثامناً: بيان الطريق الموصل إليه.
تاسعاً: بيان الثمرات التي يجنيها من تحقق باليقين واتصف به وحصّله.
عاشراً: بيان ما ينافي اليقين ويضاده.
وأخيراً: السلف واليقين.
أولًا: معنى اليقين: اليقين ضد الريب والشك، فهو يتضمن سكون الفهم مع ثبات الحكم [انظر مجموع الفتاوى 5/ 570، المفردات للراغب [مادة: يقن] – ص552]. بحيث لا يحصل لصاحبه ترددٌ وتشككٌ وريبة وقلقّ في داخله، وإنما يكون ساكناً إلى هذا الاعتقاد، أو إلى مبدئه، أو إلى عقيدته ودينه، والأمور التي تيقنها، ولهذا قال من قال كالجُنيد: 'اليقين هو استقرار العلم الذي لا يحولُ ولا ينقلب ولا يتغير في القلب' [بصائر ذوى التمييز 5/ 397].فهو شئ ثابت راسخٌ فيه، وهو بهذا الاعتبار يكون بمعنى طمأنينة القلب وثبات واستقرار العلم فيه [انظر مجموع الفتاوى 3/ 329].
* ثم هذا اليقين ينتظمُ أمرين:
أحدهما: علم القلب.
والثاني: عمل القلب، كما فصل ذلك الشيخ تقي الدين ابن تيميه –رحمه الله تعالى-[انظر مجموع الفتاوى 3/ 329].
فالعبد قد يعلم علماً جازماً بأمر من الأمور، ومع هذا يكون في قلبه شئٌ من الحركة والاختلاج، بحيث إن هذا العلم لا يحمله على العمل الذي يقتضيه العلم في الأصل، حيث إن هذا العلم كان الواجب أن يثمر ويؤثر فيه تأثيراً عملياً سواء كان ذلك في قلبه، أو كان ذلك في جوارحه، فقد يوجد العلم في قلب الإنسان إلا أن صاحبه لا يصل به إلى مرتبة العمل بعد العلم. فالعبد -مثلاً- يعلم أن الله رب كل شئ ومليكه، وأنه لا خالق غيره، وأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وهذا قد تصحبه الطمأنينة إلى الله تعالى، والتوكل عليه، وقد لا يصحبه العمل بذلك: إما لغفلة القلب عن هذا العلم- والغفلة لاشك أنها من أضداد العلم، وأعنى بالعلم الذي تضاده الغفلة هو: العلم التام الذي يوجب الاستحضار الدائم المستمر- فيستسلم صاحب هذه الغفلة للخواطر إذا غفل عن الحقائق التي علمها واستقرت في قلبه، فإذا وقعت له غفلة؛ فإن الخواطر تجد طريقها إلى قلبه وإلى اعتقاده، وإلى ما يدين الله عز وجل به، وقد يلتفت العبد إليها.
وهكذا إذا قلنا إن العلم هو: طمأنينة القلب، وسكون القلب إلى هذا المعلوم؛ فإن هذا يكون في سائر الأبواب، فعلى سبيل المثال: إذا قلنا: 'اليقين بأمر الآخرة' إذا كان العبد يتيقن البعث والجزاء، والنشور، وما يكون في يوم القيامة، فإن هذا العبد إذا تيقن هذه الحقائق يقيناً تاماً؛ صار قلبه بمنزلة المشاهد لها كأنه يُعاينها.
وهذه حقيقة اليقين التي وصف الله تعالى بها أهل الإيمان في قوله تعالى:} وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [4] {[سورة البقرة].
فلا يحصل الإيمان بالآخرة – كما قال شمس الدين ابن القيم رحمه الله- حتى يطمئن القلب إلى ما أخبر الله سبحانه به عنها، طمأنينته إلى الأمور التي لا يشك فيها ولا يرتاب، فهذا المؤمن هو المؤمن حقاً باليوم الآخر [الروح /221].
وهو الذي أثنى الله عز وجل عليه، ولهذا قال بعضهم: اليقين مشاهدة الإيمان بالغيب، فكما أن العين تشاهد الحقائق الماثلة أمامها في العالم المشهود عالم الشهادة؛ فإن اليقين هو مشاهدة الغيب بالقلب، فإذا وصل القلب إلى هذه المرتبة، وإلى هذا المستوى؛ فإنه يكون قد تيقن، وارتقى العبد بإيمانه، وصار بمنزلة عالية قد توصله عند الله عز وجل إلى أعلى المنازل.
¥